هكذا كانت البداية التصوير الفوتوغرافي أكبر شاهد على العصور وخدماته وصلت الفضاء |
* كتب - احمد الدهلوي:
كان العالم على موعد مع حدث مهم، حدث فريد من نوعه ظهر على يد الفرنسي جوزيف نييبس عام 1827م حيث انتج اول صورة فوتوغرافية في العالم.
جاءت بدايات هذا الحدث منذ ايام ارسطو في القرن الرابع قبل الميلاد، عندما لاحظ ما يعرف ب الستينوبية وهي الصورة التي تتشكل لك حينما تمنع دخول الضوء لغرفة ما مع السماح لحزمة ضوئية بالدخول عبر ثقب صغير لا يتجاوز المليمتر الواحد ثم تضع ورقة بيضاء على بعد عشرين سنتيمتراً من الثقب، في تلك الحالة ستجد المنظر الخارجي قد ارتسم على الورقة بشكل مقلوب وغير واضح، لكنه معروف المعالم, وعرفت فيما بعد بالغرفة المظلمة وهو اسم ايطالي.
استغل الفنانون الايطاليون هذه الغرفة في القرن السادس عشر لعمل لوحاتهم فليونارد دافنشي اوصى بمراقبة تلك المشاهد التي ترتسم داخل الغرفة المظلمة، وبعد مرور خمسين سنة ادخلت بعض التحسينات على الغرفة ليزداد وضوح الصورة فاستخدمت العدسات التي كانت تستعمل لتصحيح النظر, وكذلك ادخال الحدقة, وعندما ايقن الفنانون بأن هذه الغرفة سوف تساعدهم على تحسين مستوى اعمالهم بدؤوا يفكرون في غرفة مظلمة متنقلة، وبالفعل تمكنوا من عمل ذلك, وكانت تلك هي المرحلة الاساسية للآلة الفوتوغرافية.
مع ذلك التطور لم يحاول احد ان يثبت تلك الصورة بشكل دائم، الا ان عالم الطبيعيات الالماني جوهان شولتز الذي اكتشف ان آثار الفضة تتحول للون الاسود اذا تعرضت لضوء ساطع، لكنه لم يتمكن من تطبيق عملي له، وتوالت الاكتشافات حتى جاء العالم الفرنسي جوزيف نييبس واستخدم مادة زفت الجليل التي من خواصها انها تتصلب وتصطبغ بالبياض عندما يسلط عليها الضوء.
وفي تلك الاثناء قام جوزيف برسم صورة على قطعة من الزجاج ووضعها على صفيحة دهنت بالزفت ثم وضع الكل تحت اشعة الشمس لمدة ثلاث ساعات ونتيجة لذلك حصل على صورة صلبة ودائمة مخترعاً بذلك نوعاً جديداً من الفن اطلق عليه اسم التصوير الشمسي, وبعد نجاح هذه العملية قام جوزيف بدهن قطعة من القصدير بمادة زفت الجليل ثم سلط عليها منظراً كان يراه من غرفته لمدة ثماني ساعات، وهكذا حصل على اول صورة فوتوغرافية في العالم.
لم يهدأ المهووسون بهذا الاكتشاف عند هذا الحد، ولم يقفوا عند تلك النقطة، فأول صورة في العالم كان ينقصها الكثير من المميزات، وتفتقد للعديد من التقنيات، حتى جاء عام 1837م وفيه استطاع الفرنسي لويس داغير تثبيت الصورة المنتجة داخل الغرفة المظلمة بواسطة ملح الطعام وأطلق على اكتشافه اسم النموذج الداغيري وكان يعطي صورة موجبة مباشرة لا يمكن السحب عليها، بالاضافة لكونها هشة مما يجعل التعامل معها امراً صعباً بسبب سطحها اللماع، وتشجيعاً له استطاع الفلكي والفيزيائي فرانسوا راغو ان يؤمن من الحكومة الفرنسية مساعدة مادية للمخترع وبذلك توصل لتحسين طريقته حيث قام بتثبيت الصورة بواسطة هيبو سلفيت الصوديوم ثم تجفف باللهب وتختم الصورة باحكام تحت الزجاج للحفاظ على السطح الحساس، وبذلك كان النموذج الداغيري افضل مرآة للطبيعة في ذلك العهد، وبعد ذلك الاختراع صرح الفنان بول دي لاروش بقوله: مات فن الرسم اعتباراً من اليوم ، وتهافت الناس على شراء النموذج الداغيري بعد عرضه على الاكاديمية العلمية في باريس، وانتشر في العديد من البلدان العالمية، واصدر لذلك كتيباً يوضح فيه تاريخ ووصف الطريقة المسماة النموذج الداغيري.
وفي عام 1835م تشكلت اول صورة سلبية في العالم على يد عالم الرياضيات الانجليزي فوكس تابلوت، ولم يكن على علم بالنموذج الداغيري ونتيجة لذلك طالب فوكس بكتاب وجهه لفرانسوا راغو بأسبقية اعماله على اعمال داغير، وعرض امثلة لاعماله في المعهد الملكي في لندن، وعرض كذلك عدة صور موجبة وسالبة اخذت عن طريق الغرفة السوداء، ولكن تلك الطريقة لم ترق للجمهور، ولم تلفت نظرهم لان طريقة داغير كانت اسرع وأدق، وتأثر فوكس كثيراً بتجاهل الجمهور الانجليزي له ولطريقته، ومع ذلك تابع فوكس اعماله وحسن من طريقته حتى حصل على شهادة للاختراع الذي اطلق عليه اسم الكالوتيب .
وبعد حصوله على شهادة الاختراع انشأ مخبراً لسحب الصور في مدينته واتجه اليه العديد من الاشخاص الذين يودون التقاط صور شخصية لانفسهم، ونشر كتاباً يشرح فيه طريقته وهو اول كتاب مصور، ومع ذلك لم يلق رواجاً في الولايات المتحدة لوجود النموذج الداغيري في الصدارة، وانتشرت المخابر لتصوير الوجوه في بريطانيا وكانت اجمل الصور التي التقطت من قبل روبرت الذي التقى بالرسام الاسكتلندي دافيد.
استمرت حركة تطوير ذلك الفن فكان ثبات الصورة ووضوحها وسرعة اصدارها اهم الاشياء التي شغلت بال المهتمين والباحثين في شؤون التصوير فبحثوا عن سبل للتغلب عليها وفعلاً تمكنوا من ذلك بفضل النحات فريدرك سكوت الذي تعلم فن التصوير بواسطة طريقة الكالوتيب وقارن بين النماذج وبحث عن ورق اكثر حساسية من الورق المستخدم في النماذج السابقة وحصل على صحيفة الكلوديون الرطب والتي تختصر وقت التعريض الى اقل من ثلاث ثوان في اشعة الشمس وكانت هذه الطريقة تتطلب من المصور ان يكون ذا خبرة فوتوغرافية وكيميائية.
اصبح التصوير في تلك الحقبة متاحاً للجميع فكانوا يقفون امام عدسات التصوير لالتقاط صور لهم حتى ان الشعراء الانجليز امثال تنيسون وبراد نينغ وقفوا امام عدسة اكبر مصورة هاوية في ذلك الوقت جوليا مارغريت والتي كانت تستخدم قياساً كبيراً للصورة، واضاءة مدروسة وعدسة ضخمة وتطلب من نماذجها الوقوف امام العدسة لمدة 6 7 دقائق دون حركة ودون مسند لرؤوسهم خوفاً من تشويه المنظر الطبيعي للوقفة وكان يعرف بالتصوير الفني.
كان التصوير الفني في تلك الفترة يحاول تقليد الرسامين من ناحية الاتقان والدقة، وفي نفس الوقت كان الرسامون يستخدمون التصوير للوصول للدقة التي يبحثون عنها في الرسم، ويوماً بعد يوم وشيئاً فشيئاً ترك الرسامون الواقعية للمصورين الضوئيين لانهم لم يجاروهم واتجهوا للمدارس الفنية المتعددة.
صحيفة الكلوديون الرطب رغم انها اكثر حساسية من الاكتشافات السابقة لكن معالجتها تطول مما يجعل التعامل معها امراً ليس سهلاً وليس ميسراً للجميع لالتقاط الصور التي يريدونها من اجل ذلك فكر الهواة في حلول لهذه المشكلة فتوصل مادوكس لمركب جيلاتينوبرومور الفضة وتم تطويره من قبل هواة آخرين لذلك الفن حتى اصبحت بريطانيا تحتضن اربعة معامل لانتاج تلك الصفائح الجافة وذلك عام 1878م, وبعد سنتين من ذلك التاريخ اضحى التصوير في متناول الجميع عندما بدأ تصنيع الآلات الصغيرة القابلة للحمل والتصوير بها مباشرة دون الحاجة للحامل لكي تثبت عليه، وظهرت كذلك الآلات الصغيرة جداً والتي تخبأ في يد عكاز او في اطار ساعة او كتاب,, الخ, وعرفت تلك الآلات باسم آلات المخبرين, وبعد اصدار آلة كوداك عام 1888م قال جورج ايستمان كلمته المشهورة اضغط على الزناد ونحن نقوم بالباقي وبواسطة تلك الآلة يستطيع المصور اياً كان تصوير ما يحب وما يريد ثم يرسل الكاميرا الى الصانع وبدوره يخرج الفلم ويقوم باظهار الصور ويعيد الكاميرا لصاحبها بعد ان تعبأ من جديد ومعها الصور التي تم اظهارها.
ومنذ ذلك الحين والتصوير يشهد تطوراً سريعاً وسنلقي الضوء في المرات القادمة حول بداية التصوير الملون والتصوير الصحفي ورواد التصوير الاوائل.
|
|
|