سألتني المذيعة، ونحن مازلنا نتحاور حول حدث الساعة، الرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000: ماهي أوجه استثمار هذه التظاهرة الثقافية؟
ليس من المعتاد أن ننظر إلى الحدث الثقافي كوجه من وجوه الاستثمار! أو ربما لا يراه في هذه الصورة إلا أولئك الذين يعهد إليهم بحساب تقدير الميزانية المطلوبة ومتابعة تفاصيل الصرف، وأولئك الذين يرون فيه مايرفع أرصدتهم الإعلامية, وليس هذا مانقصد بالاستثمار في الحدث الثقافي.
ومع هذا ، كل حدث احتفالي أو احتفائي يتضمن تكلفة مادية, وإذا لم يبرر هذه التكلفة مردود متوقع من الحدث مادياً أو معنويا فإن الجهد كله ينتهي مجهوداً ضائعاً, الحدث الثقافي لا يجب أن يكون احتفالية آنية مفرغة من الهدف,, بل يجب فعلاً أن يكون استثماراً مؤكد المردود, والهدف الأهم يأتي على المدى البعيد.
والاستثمار في الثقافة ليس كاستثمارات المشاريع الاقتصادية واضح من حيث المردود الفعلي الذي يمكن أن يحسب بالريال والدولار في موقع الصرف وموقع القبض ومقارنة الفرق ربحاً وخسارة.
فما هو مردود استثمار الجهد والمال في زخم توجه ثقافي عام؟
الاستثمار الثقافي استثمار طويل المدى وتجريدي النتائج, المردود فيه هو بناء الإنسان وتحسن التفاعل الاجتماعي وتطور أسلوب الحياة العامة نحو المزيد من الوعي والإنتاجية الحضارية الفكرية والفنية والعلمية والأدبية, كل ذلك ينتج مجتمعاً أسعد وأقدر على التعامل الحضاري والتفاعل الإيجابي المنتج.
تنظيم حدث مثل مهرجان أدبي أو موسم ثقافي يعتبر استثماراً في بناء الشخصية الحضارية المجتمعية، والهدف الأهم يأتى على المدى البعيد وهو النمو الثقافي العام ويفتح لهذا الهدف سبلا متعددة، فبرامج المحاضرات والندوات الجادة تحمل التوعية الرائدة في المجالات ذات الأهمية الحيوية والمواكبة لاهتمامات المجتمع ومتطلبات حياته ومستجداتها، وضروري ألا تكون اجترارا لطروحات خطابية مستهلكة تعود مضيعة للجهد والوقت، وإقامة معارض الكتاب تشجع على القراءة وبناء الوعي، وإقامة معارض فنية وتشكيلية فردية وجماعية تطلع الجمهور على التراكم الفني والمستجد من العطاء الإبداعي المتميز، وإقامة نشاطات مسرحية وتمثيلية وسينمائية تعالج مايحسه المجتمع من شؤون وشجون، بلغته الخاصة وأولوياته فيكون لها مفعول الحث على التفكير في الحلول الإيجابية، وإقامة نشاطات ترفيهية عالية الذوق تزيد من رهافة الذائقة العامة.
والمردود المستقبلي الأبعد هو الهدف الجوهري في البناء الثقافي، توجيه الجيل القادم من النشء والشباب إلى مجالات اهتمامات مجدية فكرياً وعلمياً، تفيدهم في مواكبة المستقبل الحضاري القادم, وحين يجد الشباب من الجنسين مجالات نشاط يمتص فائض طاقته ويشبع رغبته في إثبات انتمائه وعضويته المجتمعية لن يحتاج إلى ممارسة التفحيط الفعلي والمعنوي لاستقطاب الشعور بالأهمية, وأن توسع أفق اهتمام الفتيات والفتيان إلى نواح إيجابية لممارسة الترفيه تبرز تميز مواهبها الفردي وتمارس بها عضويتها الاجتماعية يحررها من الانحصار في المظاهر والقشوريات والطاقات المهدرة والعبث اللامسؤول.
كل هذا استثمار مستقبلي مطلوب ومبرر وضروري للنمو الفكري الحضاري المجتمعي, ولكل ماسبق، مهم أن يتعاضد الجهد الرسمي والشعبي في بناء وتفعيل مؤسسات الثقافة بكل أنواعها ودعم نشاطاتها ذات المردود الواضح من حيث توليد المزيد من النمو الفكري والتفاعل الإيجابي حاضراً، وترسيخ التصرف الحضاري البنائي والشعور بالانتماء المرضي مادياً ومعنوياً، مستقبلاً
د, ثريا العريّض