إن المتتبع لأحكام شرعنا المطهر يدرك بجلاء مدى أهمية كل حكم وأسراره وأثره في الحياة, والأوقاف الإسلامية سنة ندب الله اليها وجعلها من القرب التي يتقرب بها المرء المسلم لربه في حياته وبعد مماته حيث تكون صدقة جارية له والأوقاف الإسلامية هامة جداً لما لها من أثر عظيم ومنزلة كبيرة ونفع متحقق, فالوقف كما عرفه العلماء بأنه تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة في سبيل الله وهو عدة أنواع:
1 إما أن يكون على الأولاد والأحفاد ومن بعدهم الفقراء والمساكين وهو ما يسمى بالوقف الذري.
2 أو يكون على أبواب الخير ويسمى بالوقف الخيري.
كما أن الوقف ينعقد بأحد أمرين بالفعل الدال عليه كأن يبني مسجداً أو القول وينقسم إلى : صريح مثل قول وقفت وحبست وسبلت وكتابة كأن يقول تصدقت ويقصد الوقف ولا يصح إلا على معين أو جهة بر, وقد وردت آيات وأحاديث كبيرة تبين فضل هذه السنة قال سبحانهلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وفي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أباطلحة رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحب أموالي لي بيرحاء وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يارسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ بخ ذلك مال رابح مرتين قد سمعت ما قلت فيها وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه، رواه البخاري ومسلم والترمذي.
ومن هذا المنطلق يتبين للإنسان المسلم مدى الفضل العظيم والأجر الكبير الذي يحظى به الواقف أملاً في تحقيق فضل البر وكسبه امتثالاً لأمر الله وطمعاً في ثوابه فالمال قد ورثه الانسان ممن سبقه وسيورثه لمن بعده والعاقل اللبيب هو الذي يجعل هذا المال في أوجه البر والإحسان ويعمل على تحقيق النفع من خلاله لمجتمعه وأمته المسلمة وهو من حسن الخلافة فيما استخلف فيه المسلم كما إن العين الموقوفة لها إسهامات كبيرة في خدمة المجتمع فالمساجد لها أثر واضح في القيام بفرائض الله وتبليغ دعوته وذلك من خلال عقد الندوات والمحاضرات والدروس العلمية وانطلاق قوافل الدعاة من هذه المواقع الطاهرة بعد أن عرفوا من خلالها أهمية الدعوة إلى الله وتعلموا بين جنبات هذه الأماكن المقدسة كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك المصحات والمستشفيات التي يدرك الجميع أهميتها وضرورتها وحاجة المجتمع المسلم لها وهي بحق مال رابح لصاحبه وفائدة متحققه وثمرة مرجوة يسنغني بها المسلم عن الحاجة لغيره من غير المسلمين او السفر لبلادهم كما ان الأوقاف لها أهميتها من الناحية الدعوية والاقتصادية من خلال مشاركتها في كافة المشروعات كإنشاء المعاهد والمدارس ودور العلم والمكتبات ومراكز الدعوة ودور الرعاية الاجتماعية ومراكز المعاقين والمسنين والمجمعات السكنية والأربطة وشق الطرق وحفر الآبار وغيرها مما يدخل في مجال الأوقاف ويحتاجه المجتمع كما ان الوقف يساهم مساهمة إيجابية في تفعيل دور الدعاة في الدعوة إلى الله من خلال المشاركة في الشبكة العالميةالانترنت وطباعة الكتب والاشرطة التي أصبحت من الوسائل الهامة في عصرنا الحاضر, وتعداد مآثر الوقف أمر يطول إذا ما أردنا التفصيل سواء كان ذلك في عهد الصحابة أو زمن الخلافة الراشدة أو الخلافات الإسلامية الأخرى.
ولكي تتحقق المنفعة للواقف والوقف فلابد من إيجاد مرونة في التعامل مع حاجة العصر والمجتمع في هذا الوقف وكيفية إدارة أموال الأوقاف إدارة صحيحة كما ان التوعية الإعلامية وحاجة المجتمع لها في بيان فضل الوقف وكيفية تنظيم ما يتعلق بالأعيان الموقوفة لها أهميتها وضرورتها وما إقامة الندوات واللقاءات الخاصة بالوقف وبيان أثره إلا دليلاً صادقاً على التوجه الكريم الذي تنتهجة القيادة الكريمة ممثلة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والتي حرصت مؤخراً على عقد ندوة تحمل عنوانالوقف وأثره في الدعوة والتنمية في رحاب مكة المكرمة بهدف إيجاد تواصل بينها وبين أهل العلم والدعوة ورجال الفكر والثقافة والاقتصاد للتشاور وإبراز المعلومات في هذا المجال وتنمية موارد الأوقاف وفق أسلوب علمي مميز وناجح, ولقد احسنت الوزارة صنعاً في المسابقة للإعداد لمثل هذه الندوة التي تعنى بتنمية الأوقاف وبيان أثر الوقف على الدعوة إلى الله.
كما ان الوزارة تسعى للاخذ بكل جديد ومفيد في سبيل تطوير مفهوم أعمال الأوقاف ومجالاتها وتنويع مواردها وفق الاسلوب الشرعي المناسب.
وما زالت بلادنا وقيادتنا ورجالات مجتمعنا تنظر الى الوقف وأثره الطيب بالاهتمام المتزايد والرعاية العظيمة تشجيعاً للخير ودعوة إليه وتذليلاً لكافة السبل الموصلة إليه فقد عنيت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ممثلة بوزيرها معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ بالأوقاف والمحافظة عليها وتسجيلها وحمايتها من الاعتداء عليها كما عملت على تنمية مواردها واستثمارها بالطرق المتاحة والإشراف على المكتبات الموقوفة وتنمية مجموعاتها، والأوقاف الخيرية الآن بحاجة ماسة إلى الدعم والمساندة والتنمية والتطوير والأخذ بأحدث الوسائل العلمية والمادية في زمن تطورت فيه النظم وتزاحمت فيه العلوم والثقافات.
ولن يتمكن المسلمون والدعاة إلى الله من تحقيق مرادهم إلا اذا كان هناك إمكانات تساعدهم على التأهيل والتسليح بالعلم الشرعي من خلال إنشاء مواقع التأهيل ودعمها بأحدث الوسائل العلمية الموافقة للنهضة العلمية العالمية, ومن هنا ندرك أهمية السعي إلى تحقيق نماء الوقف وتنوع مورده طمعاً في المحافظة عليه ومشاركته وفائدته للمجتمع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,
د, علي بن محمد العجلان *
* المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة القصيم