عزيزتي الجزيرة
رحمك الله أيها الأب العزيز
اختار الله أن تكون إلى جواره في يوم عيدالفطر المبارك الذي صادف يوم الجمعة المبارك، وقد شاء الله ان تكون خاتمة حياتك في ذلك اليوم بعد ما صبرت عليه من العناء والمشقة ومصارعة المرض التدريجي حتى انتهى بك المطاف عند تلك الساعة بعد نهاية شهر رمضان المبارك، وقد قدر الله ألا تموت حين سقطت من أكثر من نخلة قبل عشرين عاماً، ولم تمت حين سقطت من الدراجة النارية أنت وأمك رحمكما الله جميعاً ، ولم تمت حين سقطت من أعلى سطح المسجد الى الدور الأسفل الخلوة وبقيت بين الأنقاض مغمى عليك، ولم تمت عندما مس المرض المؤلم بك في العام الماضي يوم الجمعة الموافق اليوم الخامس من شهر جمادى الآخرة لعام 1419ه، حين حملوك من المنزل مغمى عليك وعاضاً لسانك، وشاء الله أن تكون ميتتك على مرأى من الخلق ومشهد منهم عند تجمعهم في صبيحة يوم العيد، فكنت أتقبل تهنئة المسلمين بالعيد وأنا حزين أبلغهم برحيلك عن الدنيا الى دار المقر الى جوار ربك في ذلك اليوم المشهود.
فرحمك الله يا أبي لقد كنت محبوباً ورعاً تقياً مكثراً من قراءة القرآن الكريم، لا تترك المصحف من يدك في دكانك المتواضع، والناس من حولك يتحاورون ويتجاذبون أطراف الحديث، وكنت مؤذناً ترفع النداء ملتزماً بذلك لا ترجو أن يكون لك أجر دنيوي حين قطعت على نفسك العهد في أول الأمر وإنما تبتغي الأجر من الله، فكنت ترفع النداء في جميع الأوقات حتى نداء الفجر الأول كنت تخرج الى المسجد في حالك الظلمات وفي البرد القارس ترفعه بصوت مجلجل يسمعه القاصي والداني، وكنت ذا همة ونشاط تغيث المستغيث، وتشاطر المحزون أحزانه، وتسرع إلى نصرة المظلوم، وتداوي الكليل، وتطعم الجائع، وتكرم الضيف والغريب والراعي، وكل من يقدم إلى بلدتنا تسرع وتبادر الى استضافته في دكانك المتواضع أو في مجلسك في دارك، كنت تحثنا ونحن صغار على أداء الصلاة مع الجماعة، وكنت توقظنا في الليل عندما لا ترانا في المسجد عند صلاة الفجر، كانت سيرتك بين الناس حسنة، وعبقك فواح بأبهى الأخلاق وأحسنها، لم نسمع ان لك أعداء، ولم نسمع من أحد جاء يواسينا فيك كلمة نابية عنك، ولم نسمع عنك من جميع المواسين في فقدك من أقرباء وأصحاب أو أصدقاء لك ولنا أو جماعة من قريب أو بعيد إلا وذكروك بالخير ودعوا لك بالجنة وأن يكون مسكنك منها مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا, كانت جموع المصلين عليك بعد صلاة الجمعة كثيرين والسائرون في تشييع جنازتك إلى المقبرة مشياً على الأقدام أكثر والمواسون لنا فيك، أكثر وأكثر، فكنا نتقبل العزاء فيك منذ أن أودعناك قبرك إلى كتابة هذه السطور، لم ينقطعوا والداعون لك ان شاء الله لن يتوقفوا.
فهنيئاً لك يا أبي يوم أن اختارك الله إلى جواره في صبيحة هذا اليوم المبارك الذي جمع الله فيه عيدين للمسلمين، ونسأل الله أن يكون المرض قد طهر جسدك من الأدران والآثام وأن يحط عنك من الخطايا حتى تلقى ربك وما عليك ان شاء الله منها شيء,أبي أسأل الله العظيم من فضله أن يجعلني مقتدياً بك في سلوكك وأخلاقك وطباعك وكرمك واحسانك وبرك بوالديك، وأسأل الله العلي العظيم أن يجمعني بك مع والديك في الفردوس الأعلى، وأن يصبرنا بعد فراقك، وأن يلهمنا الصبر والسلوان حتى لا نجزع على فراقك فنحن ندعو لك قائمين وقاعدين وفي كل وقت وحين، أن يرحمك جزاء ما ابتلاك به، وأن يأجرك أعظم الأجر وأجزله، وأن يمن علينا وعليك بلقائه يوم يلقاه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم آمين يا رب العالمين,وليس هذا جميع ما أردت ذكره عنك يا أبي، ولكن الأفكار تتوارد والخواطر تتشارد وموقف الحزن ينتابني وليس معنى ذلك حين تأخرت في تأبينك أنني في سلو عنك ولكن ذلك انما لحاجة في نفسي علَّ الأحزان تخف عني والأوهام تنجلي عن وجهي بعد فراقك يا أبي، فرحمك الله رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، إنه سميع مجيب.
عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن عبدالله الغنام