عاشت الأوساط الاقتصادية خلال الأيام القليلة الماضية أحداث وبرامج المنتدى الاقتصادي العالمي الذي نظمته الغرفة التجارية الصناعية بجدة وشارك فيه العديد من المسؤولين والباحثين المختصين في الشؤون الاقتصادية, ولقد كان من أبرز المشاركين الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الذي ألقى كلمة اقتصادية لم تخل من التلميحات السياسية ذات الصلة بالأحداث التي عاشتها منطقة الخليج ابان فترة رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية, ولعل أبرز ما لفت انتباهي في كلمة الرئيس الأمريكي تركيزه على قضية الخصخصة كاستراتيجية اقتصادية فاعلة لمواجهة التحديات والمتغيرات الاقتصادية في ظل توجه العالم نحو عولمة نشاطاته وعلاقاته الاقتصادية والتجارية وتأكيده على قدرة هذه الاستراتيجية على خلق فرص عمل جديدة لمواجهة تدفق الأيدي العاملة المتزايد الى سوق العمل, وفي اعتقادي ان الرئيس الأمريكي قد ارتكز فيما أكده على خلفيته كرئيس للحزب الجمهوري الذي يحرص على الحد من تدخل الحكومة في الأنشطة الاقتصادية وعلى المبادىء الرئيسة للنظرية الكلاسيكية والنظرية الكلاسيكية الجديدة التي ترى ان قوى السوق قادرة على تصحيح الاختلالات التي تعترض الأنشطة الاقتصادية دون حاجة للتدخل الحكومي, وفي اعتقادي ان معظم الاقتصاديين يشاركون الرئيس الأمريكي الرأي وينادون بمجال أرحب للقطاع الخاص حتى يتحسن الأداء الاقتصادي وتزداد الفاعلية والكفاءة الانتاجية وتقل الأعباء التي يتحملها القطاع العام, ولكن من المفترض ايضا عدم القبول بالفكرة المنبثقة من بيئة فكرية مختلفة وتطبيقها على بيئة فكرية لها معطيات ومتغيرات تختلف جذريا عن بيئة مصدر الفكرة, بعبارة أخرى لا يجب علينا القبول بقدرة الخصخصة على تصحيح الاختلالات التي يتعرض لها سوق العمل السعودي لعدم وجود البيئة التنظيمية والادارية التي تكفل تحقيق ذلك, فإذا كنا نتفق على ان الخصخصة ستدفع بالاقتصاد الى الأمام مما سيؤثر ايجابا على أداء عناصر الانتاج المختلفة بما فيها عنصر العمل، فإننا قد نجزم بأن المستفيد لن يكون عنصر العمل السعودي وذلك للأسباب التالية:
1 فقدان القاعدة التنظيمية التي تحكم سوق العمل السعودي مما ساهم في بروز الحالة الغريبة التي اصبح بموجبها عنصر العمل السعودي خيارا من ضمن الخيارات المطروحة امام المستثمر بدلا من كونه صاحب الحق الأوحد كما ينص على ذلك العرف والمنطق الاقتصادي والنظامي.
2 عدم وجود جهة حكومية فاعلة تضطلع بمهمة مراقبة المتغيرات الرئيسة في سوق العمل والتخطيط المستقبلي للقوى العاملة السعودية حيث نلاحظ ان سوق العمل السعودي بلا مراقب ومفتش فطن وبلا جهة رسمية تعنى بحماية الأنظمة من عبث العابثين, وفي هذا الخصوص أرى بأننا في موقف لا نستطيع معه الحكم بفشل الأنظمة ما دامت هذه الأنظمة بلا حماية أو ما دامت الجهات المعنية بتنفيذ الأنظمة تخالفها أو تسمح بمخالفتها, ولعل أخذ جولة سريعة على مواد وتوصيات الأنظمة والقرارات التي اريد لها ان تحكم سوق العمل يعطينا قناعة مطلقة بأن هذه الأنظمة والقرارات ظلت بعيدة كل البعد عن التنفيذ بمباركة معلنة من الجهات المعنية.
3 صعوبة التخلص من مؤثرات الماضي حيث لم يعد يسيرا تصحيح الخطأ الذي ارتكب في السابق خاصة بعد ان استمر الكثير الواقع وجندوا كل طاقاتهم للدفاع عنه ولعل ما نسمعه كثيرا من بعض رجالات القطاع الخاص خير دليل على ان عنصر العمل السعودي لم ولن يكون خيارا مفضلا في المستقبل, واذا أضفنا الى ذلك ضعف القرار الاداري فإن من غير الممكن تصور المستقبل في صورة أفضل من الواقع.
4 سياسة الاستقدام المفتوحة التي ما زالت تمثل أحد أهم الاسباب وراء الخلل الذي يعيشه الاقتصاد السعودي حيث أدت هذه السياسة الى زيادة كبيرة في أعداد العمالة الأجنبية دون الأخذ في الاعتبار حالة الركود الاقتصادي والزيادة الكبيرة في اعداد الأيدي العاملة الوطنية مما أدى الى خلق بيئة تنافسية غير منطقية وضاعف من معاناة عنصر العمل السعودي.
ومن هذا المنطلق فإن من المتوقع ان تساهم الخصخصة الى زيادة الاعتماد على عنصر العمل الأجنبي خاصة في ظل قدرة المستفيدين على ترويج المفهوم الخاطىء لمبدأ الحرية الاقتصادية من أجل حماية مصالحهم الاقتصادية دون اكتراث بمصالح الوطن الاجتماعية والفكرية والأمنية والاقتصادية, كما أنه يجب علينا ان نعي بأن تفضيل القطاع الخاص لعنصر العمل الأجنبي لا ينبثق فقط من نظرة اقتصادية بحتة حيث نجد وفي حالات كثيرة ان عنصر العمل السعودي يستطيع ان يؤدي الدور الانتاجي بكفاءة وتكلفة مماثلة ولكنه يظل مرفوضا على ارض الواقع مما يعطي الانطباع بوجود خلل عام يجب على المسؤولين تصحيحه بدلا من ترك الأمر تحت رحمة قوى السوق المغلوطة في ظل الخصخصة المنتظرة.
وهنا يجب ان انبه الى أنني اتفق مع الجميع بأن الخصخصة هي السبيل الأمثل لتحقيق الاستغلال الأفضل لمواردنا الاقتصادية ولكنني اعتقد أننا نحتاج قبل ذلك الى عمل الكثير لتصحيح الأخطاء التنظيمية ولتقويم عمل الجهات الرسمية المعنية بمراقبة تنفيذ هذه الأنظمة حتى لا نجد أنفسنا في واقع أمر من واقعنا الحالي.
الدكتور مفرج بن سعد الحقباني
أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية