خواطر على الوتر الحساس مالك ناصر درار |
منذ أربعين عاما يخوض كلود شابرول غمار عمل فني متماسك وغزير، يجعل منه فنانا جديرا بأن يكون فعلا مؤلف نوع من الملهاة الانسانية، على غرار ما وضعه او نورية دي بلزاك في الرواية الواقعية من خلال عالم الملهاة الانسانية التي تضم عددا كبيرا من اعماله الروائية العظيمة، غير ان الملهاة الانسانية التي ألفها كلود شابرول هي الملهاة الانسانية السينمائية، اي من خلال فن وتقنيات السينما، إذ يصور كلود شابرول شخصيات اعماله في الفن السينمائي بحيث تقوم بينهم علاقات معقدة تتفوق على العقد والحكايات البسيطة والتقليدية بشكل عام، كما تألق شابرول في الصورة التي يخلط فيها بذكاء بين الكاريكاتير والانفعالات، كما يقدم لأفضل الممثلين في عصره أدوارا عظيمة توصلهم إلى طريق الفوز بجوائز سيزار,
وكان كلود شابرول قد ظل لوقت طويل مرتبطا اشد الارتباط بنجمات مثل ايزابيل أوبير وستيفان اودران، وها نحن نراه وقد ازداد ارتباطا بالمثلة ساندرين بونير، التي اكتشفها في فيلم الحفلة والتي كشف عن غموضها الذي يجعلها تتحول في لحظة واحدة من الابتسامة البسيطة ابتسامة المراهقة الرقيقة إلى التعبير الحازم الذي تظهره كامرأة قوية، وذات رأي حاسم وموقف لا يتزعزع، كما يجعلها شابرول تواجه بنفسها وبكل كيانها رجالا يتفوق بعضهم على البعض الآخر من خلال نجاح هذا وفشل ذاك, ويمثل دور كل منهم بجدارة ممثلون عظام مثل انطوان دي كون، وهو المثل الاعلى في ذلك العمل اي دور كاتب نجم، وجاك غامبلان ذلك الزوج المجروح في رجولته ومعنوياته ويهيئ نفسه دائما، إذ أن الجميع يقفون ضده، ولاسيما مأمورة الشرطة الشابة فاليريا بروني تيديشي التي تتهمه بقتل طفل على اساس انه كان آخر من يلتقي به اي ذلك الطفل.
لاشك ان كلود شابرول فنان موهوب وسر موهبته يكمن في اجادته لحبك قصة فيلمه بحيث تكون مطابقة للواقع وتميز بأصالة الاماكن، بريتاني مرة اخرى والحرف، الرسام والكاتب والممرضة ورجال الشرطة والديكورات، منزل الزوجين على شاطئ البلاج وفيلا النجم والمقهى ومركز الشرطة، يأخذ شابرول عن استاذه هتشكوك التشبث بفكرة اقامة عالم قاس، ينبغي لنا ان نتعلم فيه ان نشك في كل شيء وان الحب ما هو إلا نوع من الفسق مثل الانواع الاخرى، ونتعامل معه، اي مع هذا العالم على اعتبار ان المرأة والرجل يعيشان وحدهما في مواجهة سر الآخر الذي لا يمكننا سبر اغواره، ويأتي فيلم في صميم الكذب ليضاف بشكل طبيعي الى وصف انسانية قاسية لا ترحم، ويصور شابرول هذا الفيلم بشيء من السخرية، وان كان يشفق في بعض الاحيان على ذلك العالم الذي بناه من خلال رقة كائناته ولطفهم، ولاسيما انهم قد ضاعوا في حبائل المجتمع ونزوات الافراد الغارقين في تناقضات مشاعرهم، وبالرغم من جرأة وطاقة ساندرين بونير الوثابة، نجح كلود شابرول في اقناعنا بعالمية الكذب بشكل اكثر مما كان يجب عليه ان يقنعنا بقوة الحب, ويسير شابرول على طريقة سيمنون عندما نجده يواصل عمله من خلال حصر شامل للمباذل الانسانية، وهو ذلك الحصر الذي يتخذ شكل دليل جرد او سجل يمنحه عمرا طويلا لا يمكن ان يساويه فيه احد او عمل في تاريخ الموجة الجديدة التي كان واحدا من مؤسسيها ولكن شابرول يسير عكس خطى اريك رومير الذي لا يكف لحظة واحدة عن استطلاع عالم المشاعر والفتيات الشابات، لقد اختار شابرول الطريق الاكثر تقليدية في درب الحكاية الدرامية الذي يستحوذ عليه بشكل لايشق له غبار، وبلذوعيته انفاسها، وبحبه للمثلين، وهو حب يبادلونه مع المشاعر والاحاسيس المرهفة.
|
|
|