Tuesday 1st February, 2000 G No. 9987جريدة الجزيرة الثلاثاء 25 ,شوال 1420 العدد 9987



شؤون وشجون
جحيم الظلم في الشيشان
سعيد بن عطية أبو عالي

أتاحت لي الظروف اللقاء بالدكتور إسلام (المندوب الشخصي للرئيس الشيشاني وزير الداخلية السابق) في حديث شامل نظمته الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمنطقة الشرقية,, وكان الحديث شائقاً ومثيراً.
الدكتور إسلام رجل متواضع يمتلىء حماساً وحيوية,, وعلى دراية كاملة بتاريخ الشيشان و,,, وقد ارتبط هذا القطر بالإسلام من أكثر من خمسمائة عام (كما فهمت في الحديث الذي ينقل الينا عبر مترجم) وتأثرت لغة أهل الشيشان باللغة العربية حتى أن أكثر من نصف المفردات اللغوية هي في الأصل كلمات عربية,, وكانوا يكتبون لغتهم بالحرف العربي حتى جاء الحكم الشيوعي قبل ثمانين سنة، الحديث والكتابة والدراسة باللغة الروسية وحرم عليهم الحديث والكتابة بلغتهم الرسمية.
هناك في الشيشان عبر تاريخها الاسلامي أئمة هم قادة في الفكر والمجتمع، وفي الحرب والسلم أمثال الإمام الشيخ (شامل), الذي كان له أثر في نشر الدعوة الاسلامية كما كانت له جهود في ترسيخ النهج السلفي الصحيح مما زاد في نفوس الشيشان الاعتداد بأنفسهم والالتزام بالدين، والتوق إلى الحرية والاستقلال.
كان الدكتور إسلام واضحا ودقيقا عندما أكَّد على أن رغبة مواطنيه في الاستقلال هو لضمان الحرية التي يسعى إليها كل انسان، وأشار إلى أن ارتباط الشيشان بالاتحاد السوفيتي (البائد) ومع الاتحاد الروسي (الحالي) يمثل سلسلة من نقض العهود وعدم الوفاء بالعهود, مطالب الشيشان لا تزيد على توفير حرية الاعتقاد الديني، وأن يعيش المواطن الشيشاني حياة كريمة يضمن معها العيش الكريم والبقاء لابنائه من بعده.
سألته عما لو كانت هناك طريقة للمطالبة بحرية الاعتقاد وتوفير العيش الكريم للفرد والمجتمع الشيشاني بدون الحرب؟ لأنني اعتقد وما زلت ان الشعب الشيشاني لا يستطيع (ولم يستطع) تحقيق مطالبه بالقوة (بالحرب),, أجاب بدون تردد بأن السؤال وجيه ولكن مشكلة الشيشان مع الشيوعيين ومع الروس الحاليين هي عدم الوفاء بالعهد وبالوعد وعدم احترام الاتفاق.
قال الدكتور إسلام انه عندما قامت الثورة الشيوعية في عام 1917م اجتمع القادة الكبار (لينين وستالين) مع قادة الشيشان وقالوا لهم أنتم أحرار في دينكم ولكم أن تقيموا شعائر الدين كما تريدون وأن تفتحوا مدارسكم الخاصة وحتى المحاكم الإسلامية,, وصدق المسلمون واعترفوا بسلطة موسكو وأن الشيشان جزء من الكيان الجديد (الاتحاد السوفيتي),, وبدون اسباب وبدون انتظار انطلق الشيوعيون يهدمون المساجد، ويغلقونها ويحولونها (في أحسن الحالات) إلى مستودعات,, وقفلوا مدارس القرآن الكريم,, ومنعوا المسلمين من ممارسة الدين,, منعت صلاة الجمعة والجماعة,, الزموا الناس باللغة الروسية وحرموا عليهم التخاطب بلغتهم التي يعرفونها ونشأوا عليها.
في الشهور الأخيرة وأثناء قيام الثورة في (جبال وقرى داغستان) اتفقت الحكومة الروسية الحالية مع الشيشان بأنهم سينالون (الحكم الذاتي) وستبقى جميع امورهم بأيديهم,, وعندما تمكن الروس من اخماد الثورة في داغستان انقلبوا على الشيشان وما يجري هو خير وصف لما يقومون به.
المتابع لما يجري هناك وما تقوم به روسيا يدرك ان الكرملين لا ينظر إلى الشيشان على انهم مواطنون وأنهم جزء من روسيا,, جميع الاسلحة التي تملكها روسيا (الدولة) وجهتها ضد (مواطنيها) الشيشان, مدافع، طائرات، صواريخ.
تعامل الجيش الروسي مع اهالي الشيشان كلها عنف وتجويع وتشريد وتقتيل,, يشردون الآمنين من قراهم ومدنهم ويتركونهم تحت وطأة الجوع والثلج والبرد,, يقتلون من يحتج,, يبقرون بطون الرجال والنساء وهم أحياء,, يحرمون الاطفال من امهاتهم,, يحرمون العجزة وكبار السن من ابسط ضروريات المساعدة لهم,, يطردونهم من بيوتهم,, يتهمون المطالبين بحريتهم في وطن يحترم وجودهم بأنهم (ارهابيون).
وفي نظري مهما كانت المبررات لدى الروس,, ومهما كانت حيثيات الاتهام فإن ما يجري لا يبرر لأي دولة في العالم (فضلا عن دولة تدعي نفسها دولة كبرى) ان تتعامل مع مواطنين اختلفت معهم بنفس هذا القدر الهائل من النيران والقتل,.
لقد قام الصحفي الفرنسي (ميشيل بيرار) بالعمل مراسلا لمجلة الباري ماتش الفرنسية ولمدة أحد عشر يوما من شهر سبتمبر الماضي رافق فيها مجموعة من المقاتلين الشيشان بقيادة (رسلان) فقال: ان الآلة العسكرية الروسية تقوم بسحق كل ما يعترض طريقها لكن مع ذلك لم يعم النظام أو الهدوء اوالتراجع في جروزني.
إن الروس يقومون بحرب شعواء ضد الشيشان كل خمسين عاما، هدفها هدم البلاد التي ما تلبث ان تنهض من جديد لتقوم من تحت الانقاض.
قرر الروس هذه المرة القضاء كلية على المقاتلين الشيشان الذين عرفوا بشجاعتهم وجرأتهم فما كان إلا القيام بعمليات عسكرية روسية لسحق شعب بأكمله وحرمانه من الدخول في حرب عادلة.
الدكتور إسلام يتحدث والهزيمة لا تخطر على باله لأنه يؤمن بعدالة قضيته,, ويؤمن بأن اهله يدافعون عن حريتهم ودينهم وارضهم,, وهو يتفق مع بعض المعلقين والمداخلين بأن القيادة الشيشانية قد لا تكون ضبطت التوقيت للمطالبة بالاستقلال,, ولكن النصر آت والخلاص سيتحقق لا محالة,, ونحن نقول معه: (إن شاء الله).
إن وقفتنا لمؤازرة هذا الشعب الذي يدافع عن دينه أمر مطلوب بل وضروري.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

لقاء

نوافذ تسويقية

القوى العاملة

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved