مقدمة : قبل أن أتابع الحديث في هذه الحلقة الأخيرة أود أن أعتذر عن وقوع أربعة أخطاء في الحلقة الأولى:
الأول, قيل: إن القصيدة التي منها البيت الآتي:
سلام على الاسلام بعد محمد سلام على آياته النضرات |
للرصافي, وقد نبهني الشيخ الكريم محمد بن عثمان القاضي مؤلف روضة الناظرين في رسالة خاصة منه، وكذلك الاستاذ عبدالله الصالح الرشيد في مقاله المنشور في الجزيرة الى أن القصيدة لحافظ إبراهيم.
الثاني, قيل: المدرسة الملحقة بمسجد أم خمار وصحة اسم المسجد أم حمار, بالحاء، لا بالخاء، واجتهاد من غيَّر اسمه اجتهاد في غير محلّه, وكان هناك مكان في أسفل حوطة سدير يسمى أم حمار.
الثالث, قيل: جدّي سليمان العثيمين , والصحيح: جدي محمد بن سليمان العثيمين.
الرابع, قيل : ابن العم محمد السليمان الدامغ والصحيح ابن العم محمد السليمان العثيمين.
***
عرضت في الحلقة الماضية (23) شيئاً مما ورد في بعض الأوراق والصحف التي خلَّفها الشيخ ابراهيم الدامغ, وفي هذه الحلقة اكمل هذا الموضوع.
فمما وجد فيما خلفه الشيخ ابراهيم عدد من جريدة الإقبال، التي انشئت في العراق في غرة سنة 1320ه، ثم بدأت تصدر في بيروت, ورقم هذا العدد هو 14 الصادر في ربيع الثاني سنة 1343ه, اما صاحبها ورئيس تحريرها المسؤول فكان عبدالباسط الألتسي.
وعنوان الصفحة الاولى من ذلك العدد سلطان نجد والخلافة وقد تضمَّن الحديث عن هذا الموضوع ايراد برقيتين متبادلتين بين الملك عبدالعزيز سلطان نجد حينذاك وشوكت علي، رئيس جمعية الخلافة في الهند.
ومما ورد في الصفحة ذاتها خبران: الأول ان شرطة أنقرة قبضت على رئيس الدعوة البلشفية كامينوف، وقد تبيَّن من التحقيق ان البلاشفة وضعوا برنامجا عظيما لنشر دعوتهم في البلقان، وقد جعلوا مركز ضرب الدعوة (البروبقندا) البلشفية في الآستانة، وله شُعب في جميع بلاد البلقان, أما الخبر الثاني فهو رفض وزارة المالية اقتراح أمانة الآستانة القاضي بتأجير قصر يلدز الى شركة اجنبية لجعلة مقاهٍ وملاهٍ (هكذا) عمومية, وتدرس الوزارة المشار اليها مشروع الاستفادة من القصر المذكور بغير هذه الطريقة.
وفي العدد نفسه مقالة لسماحة محمد ماضي ابو العزائم من مصر، تحدث فيه عن قضية مصر والسودان، واخبار عن محاولة قتل زعيم ثوار الريف، عبدالكريم الخطابي، رحمه الله، ووصول بعثة طبية من الهنود الى الريف واستقبال ذلك الزعيم لها بحفاوة، ونداء من الريفيين لجميع المسلمين ليساعدوهم، ومحاولة فلبي التوسط بين الملك عبدالعزيز والملك علي بن الحسين، ومقتطف من مقالتين: احداهما نشرت في جريدة ديلي كرونيكل من مراسلها في جدة عن متاعب الحجاج في زمن الاشراف، والثانية من جريدة مانشستر جارديان عن سياسة بريطانيا تجاه الملك عبدالعزيز.
ولعل من ألطف ما ورد في ذلك العدد قصيدة عنوانها حول الحجاب لمن قيل عنه: حضرة العالم الفاضل والشاعر المطبوع، صاحب الامضاء, والامضاء المذكور هو: دمشق، ناصر الدين, وهذا نصُّ القصيدة:
يقولون في وضع الحجاب تأخر عن السير في نهج العلا والتقدم وهل يحجبن المحصنات عن العلا حجاب اذا رمن انتهاج التعلم وكم بيننا من عالمات نبغن من وراء حجاب بالكمال منمنم وما القصد من كشف الحجاب لحرة سوى هدم دين وانتهاك مجسم على ان في كشف الحجاب وسيلة لنبت قرون في دماغ مهدم فهيا بنا اختاروا الذي ترغبونه لأهليكمو من صالح أو محرم فإما حجابا يحجب العرض عن خنا وإما انخراقاً يخضب الشيء بالدم فان كنتمو أهلاً لدين وشرعة نحاكمكم للدين في ذات محرم وان لم تدينوا في شريعة ملة فليس لنا معكم جدال بمأثم اذا اخترتمو كشف الحجاب تكرما بأهليكمو للأجنبي المتيم فلا تمنحوا هذا السخاء لغيركم وفوزوا به أنتم بكل تنعم أذي ثمرات العلم والأدب الذي تلقنتموه من دروس المعلم فبئس دروس تسلب المرء دينه وتذهب بالعرض النقي المختم فيا قاتل الله التهتك كم أتى بكل غبي فاسد العقل مجرم يحاول هتك العرض في كشف ستره ويسعى لهدم الدين في كل لهذم ويزعم جهلا أنه متنور ولكنه في نور نار جهنم وذلك أولى في مثور ناره وأشقى ضلالا من شقاء ابن ملجم أتستغضبون الله في شهواتكم ولم تخجلوا من قبح فعل مذمم إذا اخترتمو كشف الحجاب لعرسكم وأبصرها في عينه كل أرقم فهل تأمنون العار من كل فاضح اذا عرسكم أمست كنهب مقسم وما الفرق بين الإنس والوحش بالشقا اذا اجتمعا يا أيها الأبله العمي أيجلى حجاب المرأة الحرة التي تريدون منها الصيد باسم التعلم دعوا عنكمو هذا المحال وحافظوا على العرض والدين الرجيح المعظم فليس حجاب المسلمات بمانع لهن عن التعليم قصد التقدم ولكن لرواد السفور مقاصد تراءت بفحواها الذميم المنظم فيا دخلاء المسلمين رويدكم فما كل (موضوع) لكم بمسلم لئن شرع الله الحجاب فهل لكم بأن تنسخوه من كتاب مكرم فلم ينسخ القرآن إلا بمثله إذن فاختموا من بعد هذا على الفم |
ومما وجد فيما خلف الشيخ ابراهيم الدامغ عدد من جريدة الأوقات العراقية، التي كان بعضها باللغة العربية وبعضها الآخر بالانجليزية باسم:
Times of Mespotamia : وتحت هذا الاسم كتب:
)The National Daily( incorporating The "Basrah Times" and "Al-Awqat Al-Iraqiah".
ومع كونها كذلك فقد كتب في اعلى الصفحة الاولى منها جريدة عربية يومية جامعة ؛ ربما مراعاة لتوجهها لا للغة التي كتبت بها، والتي كان بعضها بالانجليزية , وتاريخ العدد المذكور 26 شعبان 1344ه/11 مارس 1926م، وقد اخبرني الزميل الدكتور الشبيلي، ان الذي كان يشرف على هذه الطبعة العربية هو سليمان الزهير من النجديين المقيمين في البصرة.
وكانت الكلمة الاولى في ذلك العدد بعنوان ابن السعود في نظر الاستاذ الريحاني وما ورد في المقال:
هذه الرسالة كتبها الاستاذ الريحاني لوصيفتنا الاحرار البيروتية، ونشرتها جريدتنا (هكذا) الاوقات البغدادية الا انه لم يفسد الممالك الا الملوك وخدامهم والعلماء واعوانهم .
ليست هذه بكلمة لكبير من ديمقراطيي الغربيين, وليست من تاريخ الثورة الافرنسية، ولا من تاريخ الولايات المتحدة الامريكية,, ليست من دنتون او غمبتا، ولا من اقوال لينين او ولسون,, هي كلمة لشرقي كبير؛ بل للعربي الاكبر اليوم ,,, لابن سعود عبدالعزيز, فاه بها في الخطبة التي خطبها يوم بويع بالملك في مكة المكرمة,, ان عبدالعزيز ينطق بالحقيقة دون ان يبالي بما تزعزع من احوال، ولا بمن تمس من رجال, فهو لا يجامل في سبيل الحق حتى الملوك، ولا يحجب من سهام الحق حتى نفسه,, هي شيمة الرجل الكبرى التي طالما اشرت اليها، وتفوهت بها، وجندتها في العرب, كأني بابن سعود يقول للحجازيين؛ بل للعرب اجمعين: اني وان كنت مليككم فلا ازال الرجل الذي تثقون به، وتعلمون بما في قلبه, ان خير كل عربي مقدَّم على خير نفسي, واني كولي امركم لا اتنازل عن كوني اخا لكم، رفيقا في الجهاد في خدمة الامة العربية لا صغرا, فلا يغرنكم اني ملك وسلطان، انا لا ازال ابن سعود الذي تعرفون.
قلت ولا أزال اقول : ان هذا العربي العظيم اصرح العرب اليوم قولاً، واسدُّهم رأياً، وابلغهم حكمة، واشدُّهم عزماً، واعدلهم حكماً، واكبرهم كرماً وحلماً.
قلت ولا ازال اقول : ان هذه الامة العربية لا تنهض الا بمثل هذا الرجل، وان آمالها بالحياة الوطنية المجيدة لا تحقق الا بوحدة يكون هذا الرجل عينها الباصرة، وروحها الساهرة، وقلبها النابض، وفكرها المدبِّر، وسيفها البتّار، يوم لا يرى الا بالسيف حق الامة الاكبر.
قبل البيعة بملك الحجاز، وما كان بعدها اكبر مما كان قبلها، قبل ان يلقب ملكا، وما كانت اخلاقه واعماله، قبل ذلك وبعده، غير اخلاق واعمال اكبر من تحدَّر من ربيعة ليد العرب اليمنى, وان ابن وائل لسيف ربيعة يحمله ابن سعود.
عندما دخل هذا العربي العظيم الى مكة تهافت عليه الناس وفيهم اشراف الحجاز، فهموا بتقبيل يده، فلم يأذن بذلك,,, ليست من عادات العرب,, وذكرهم بأنهم عرب، وانه واحد منهم، وليس بين العربي والعربي ما يوجب او يجيز التزلف والخضوع, اي بالله: كلنا عرب من سلسلة اخوين كريمين هما مضر وربيعة.
وعندما بويع بالملك في ظل الكعبة خطب في الناس يقول: يجب علينا ان نكون صريحين في اقوالنا، قويمين في اعمالنا، متبَّعين في الحالين آثار السلف الصالح والائمة الاولين.
ونعم الآثار، ونعم السلف, في ذاك الزمان كانت كلمة التوحيد الركن الاول لعز العرب, في ذاك الزمان كان مجد العرب في اخلاقهم؛ ورأسها الشمم والشجاعة, في ذاك الزمان كان العدل نصال السيف، وكان السيف حارسا للعدل, في ذاك الزمان كان العربي يقول: اذا رأينا فيك اعوجاجا قومناه بسيوفنا, وفي هذا الزمان لا يبغي ابن السعود في رعاياه غير العربي الصميم الذي لا يتردد عن ابداء الرأي في حضرته، ولا يحجم الكلام جلاسه، ولا يخشى اذا رأى فيه اعوجاجا ان يذكره بقول ذاك الاعرابي للخليفة عمر.
وقد فاه عبدالعزيز في تلك الخطبة المكية بكلمة اخرى ,, هي كلمة تشرف وتعز العامل بها وان كان من الصعاليك.
انه ما من رجل, مهما بلغ من المنازل العليا، يستطيع ان يكون له اثر او يقوم بعمل حميد ما لم يخش الله .
هي كلمة مألوفة، والمألوف قلما يزعزع الجمود والاهمال, فجاء ابن السعود في تردادها يعيد اليها ما فقدته من القوة والتأثير, هي الحقائق الكبرى في الحياة، حياة الانسان وحياة الامم.
اجل, ان الامة التي يكون الايمان اساس وحدتها، والعلم سياج وطنيتها، لا تغلب ولا تستضعف ولا تذل, وسوف يأيتك من البادية من يحقق هذا القول ان شاء الله,,
وبانتهاء كلام الريحاني تنتهي كلمات كاتب هذه السطور.
والله ولي التوفيق,.
* عضو مجلس الشورى