ان صفقة الغشيان هي الصافرة التي أطلقها حكم الزمان لبدء نظام الاحتراف في المملكة, فكل الصفقات التي سبقتها على مستوى المملكة كانت إرهاصات وتوطئة لها وتبشيراً بها, فلاشك أن هذا الشاب محظوظ على المستوى التاريخي, فهو أول سعودي يحترف في الخارج وهو الآن أول لاعب ينتقل من الهلال إلى النصر.
وانتقال لاعب من الهلال إلى النصر أو العكس ليس حدثا عاديا يكفي تسجيله في الأوراق الرسمية, فهناك في الحقيقة إعادة نظر شاملة في البنية العاطفية بين الفريقين وبين كافة الفرق في المملكة, وما أقصده بالبنية العاطفية هو نوعية ارتباط الجماهير بفريقها, فهذه الصفقة ستجعلنا نعيد النظر في تعريف النوادي الرياضية حتى نعيد النظر في شكل علاقتنا ونبرمج عواطفنا وولاءاتنا لهذه النوادي.
قوضت تلك الصفقة العلاقة القديمة التي قامت منذ بدأت الكرة في المملكة تتحرك وفقا لانظمة وقوانين واضحة وكسبت الاعتراف الرسمي والشعبي بوجودها.
عندما نسمع ونتحدث عن لاعبين كبار وعالميين (كرويف ومارادونا ورونالدو) الخ فنحن لانقرن هذه الأسماء بنواد، وانما بانتساباتهم الوطنية, فهذا هولندي وذاك أرجنتيني والأخير برازيلي, ولايعني هذا أننا عرفناهم من خلال منتخبات بلدانهم وإنما لأن ارتباطاتهم بالنوادي التي يلعبون لها ارتباطات واهية وغير مستقرة, فمرة تراه يلعب في ناد ومرة أخرى تراه يلعب لخصم هذا النادي, أما بالنسبة لنا فلا يمكن أن أتخيل ماجد عبدالله إلا في لباس النصر ولا يمكن أن أتخيل النعيمة إلا بالأزرق والأبيض.
نحن نعرف أن (سعود العفتان (ابوحيدر) الدنيني سعد الجوهر ومحمد سعد وماجد عبدالله ومحيسن الجمعان) رموز عاطفية تمثل جوهر تاريخ فريق النصر وتصوراتنا عنه, وهؤلاء يقابلون رموزا عاطفية مثلت الهلال مثل (صالح أمان، مبارك عبدالكريم ، محسن بخيت ، النعيمة، الثنيان الخ), فأنت لاتذكر اسم ماجد عبدالله إلا وتقرنه بوعي أو بدون وعي بالنصر, وهذا ينطبق بالضبط على النعيمة بالنسبة للهلال, ولايمكن أن تتصور ولا في الأحلام أن ترى ماجد عبدالله يلعب في الهلال أو النعيمة في النصر, فاللاعب في ثقافتنا الرياضية هو جزء من نسيج الفريق وأساس تكوينه ومرجعيته العاطفية, فاللاعب يبدأ حياته وينهيها في نفس النادي, لذا طورت الفرق السعودية خلال الأربعين السنة الماضية اعتمادية على عنصر اللاعب وبذلك اصبح الفريق مادة وليس حالة (STATE OF MIND) أي أن الفريق هو شيء تلمسه وتراه وليس مجموعة مفاهيم تحت اسم واحد, الهلال مقرون في ذهني باسمه وبشعاره وبلاعبيه وبلون قمصانه, والنصر كذلك ولكن مع إضافة اسم رئيسه الأبدي, ولكن لو لاحظنا أي فريق أجنبي ليفربول على سبيل المثال فلايمكن أن نقرنه بلاعب معين أو إداري معين أو حتى شعار ولون فانيلة, فليفربول بالنسبة لجماهيره هو حالة (STATE OF MIND).
لايمكن أن ينكر أي مراقب تميز الغشيان, فهذا اللاعب من اللاعبين القلائل الذين يشكلون قاعدة جماهيرية خاصة بهم كيوسف الثنيان وماجد عبدالله فهو لاعب متميز وفي الوقت نفسه فهو صنيعة الاعلام الهلالي, ونحن نعرف أن جماهير الهلال تختلف عن جماهير الفرق الأخرى, فهي بقدر توحدها على الهلال فان في داخلها انقسامات إيجابية تتظاهر في التكتلات حول اللاعبين, فالهلال بالنسبة لجماهيره عالم يمكن تقسيمه من الداخل إلى مناطق ومحافظات حتى أنك تشعر بالتصارع في داخل الوطن الهلالي,وهذا يعني أن انتقال الغشيان صدمة لايمكن للهلاليين نسيانها.
ليس لأن الغشيان مهم في الفريق فالغشيان انتهى كلاعب منذ سنوات, ولكن لان الغشيان كما قلت كان لاعبا متميزا اقتطع لنفسه كتلة جماهيرية خاصة به، واصبح من رموز الهلال التاريخية, وبانتقاله للنصر لاشك سيحدث شرخا عاطفيا سيهز فكرة التكتلات حول اللاعبين في التقاليد الهلالية ولكن هذا على مستوى الجماهير اما بالنسبة لمنطق الصراع بين الهلال والنصر فالأمر مختلف تماما.
هذا ماسنتحدث عنه يوم الأربعاء القادم.
لمراسلة الكاتب
YARA2222* HOTMAIL.COM