(3)
إذا كانت كما أشرت في مقال الأمس الثقافة هي قاعدة المعرفة وهي لبُّ العلم، فقد تحقق ذلك مع الوقت الذي تزايد فيه الإقبال على توسيع قواعد الثقافة، ومنطلقاتها، وأقنيتها وأساليبها، مما هيأ الفرص للإنسان لأن يكون في أجواء عامة تساعده على اكتساب المعلومة، ومعرفة الجديد، والتفاعل مع عطاءات الإنسان الآخر، كما تحقق له في الوقت ذاته أن تُقدم له الخبرة المختصة (لتؤسس عنده ثقافة متخصصة) في مجال أو أكثر من مجالات اهتماماته الشخصية في المدارس والجامعات,,.
ولأن الطفل تميَّز بكل ما يمكن أن يحظى بالاهتمام لكونه العنصر البشري في خاماته الأولى، فقد ركزت ندوة ثقافة الطفل في صالون سلطانه الأدبي على محاور أولها: ثقافة الطفل مسؤولية من؟ وتناولت هذا المحور التربوية ذات الخبرة والاهتمام السيدة/ (مزنة الوابل) بشرح مفصل مبدئي عن مفهوم الثقافة، وعن دور المثقفين في تحقيق هذا المفهوم، وعن دور المؤسسات المختلفة بدءاً بالمؤسسة الأسرية فالاجتماعية فالإعلامية فالتربوية فالفكرية بما من شأنه تنفيذ هذا المفهوم إجرائيا عن طريق إكساب الطفل فرصة الحصول على/كم/وكيف/ من الثقافة عن طريق كلّ طريقٍ يمكن أن يُسلك لهذا الغرض، سواء عن طريق اللعب، أو التوجيه القولي، أو العملي، أو الممارسة اليومية مع حركة كل فعل يؤدي إلى إضافة معلومة، فكرية/ سلوكية/ لغوية/ علمية، جغرافية/ تاريخية/ فنية، في المجالات المختلفة العقلية/ الوجدانية/ النفسية/الحركية,,.
وقد وُظّفت نماذجُها توظيفاً شيقاً استدعى كثيراً من التساؤلات: أين المسؤول التربوي عن هذه الخبرات النسائية المتمكنة في مجتمعنا دون الأخذ بخبراتهن؟,,.
وجاء المحور الثاني التطبيقي ليكشف عن تجربة متميزة لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وهي تقدم أنموذجاً لمكتبة الطفل وبرنامجاً متقدماً في بعث هممه، وتمكين مهاراته، والأخذ به نحو معرفة وتذوق وصداقة الكتاب,,, تناولت هذا المحور السيدة (فاطمة الحسين): التي عرفت بنشاطها الفكري في مجال الطفل وثقافته، والعناية بكتابه، ومواكبة أحدث الطرق التي تجعله النافذة والحديقة، بل الثمار التي يقتطفها الطفل كي تنمو فيه شجرات الثقافة والفكر والمعرفة الشاملة.
فاطمة الحسين تحدثت عن تجربة المكتبة في ثقافة الطفل، وعن الأسلوب التشجيعي له، ذلك الذي يتمثل في برنامج تزويد الطفل بما يختاره شخصياً من قائمة كتب خاصة به في أي مجال يمكن أن يلفت نظره، فيه الكتاب العلمي، وفيه الكتاب الأدبي، من بينها كتب الموسوعات، والقصص المصورة، والعلوم المختلفة في مجال الطبيعة وأجوائها، أو الإنسان وتركيبته، أو الحيوان وأنواعه، تقدم له قائمة مصورة للكتب يؤشر فيها إلى مايريد، فترسل إليه المكتبة كتابين كإهدائين في مظروف صُمِّم خاصاً بهدف تشويقه وإمداده بالثقة في نفسه، وتكوين الإحساس باستقلاله،إذ يوضع اسم الطفل على المظروف ويرسل إلى عنوانه, مقابل اشتراك سنوي زهيد لا يقابل القيمة الفعلية للكتاب إذ تتولى المكتبة تحمل النفقات الأساس لقيم الكتب الشرائية، وهي من ضمن المواقف التنفيذية لصاحب السمو الملكي ولي العهد الصاحب لهذه المؤسسة الفكرية والعلمية والثقافية للمرأة والطفل (مكتبة الملك عبدالعزيز الفرع النسائي).
وأنهت هذا المحور بكثير من التساؤلات التي تُحفز في السامع روح الاندفاع نحو العمل الجمعي من أجل تبني مشاريع ثقافة الطفل، وتؤكد دور الكتاب في حياته,, العقلية والفكرية والوجدانية والنفسية و,,, قدمت عرضاً لتأسيس جمعية أصدقاء القراء الصغار,,, وهو مشروع رائد، لايتسنى لأية أم إلا الاسهام فيه، إذ يؤكد الالتفاتة الجادة إلى الطفل بعد أن أهمل ولايزال يهمل في داخل أسرته، إذ يمضي جلُّ وقته في منأي عن الوالدين، وفي التحام بمن يعملون في خدمة الأسرة، في الوقت الذي لاتقوم الأمم إلا على عناصرها البشرية وأول هذه العناصر أساسها وهم الأطفال,,, الذين هم اليوم صغار وغداً كبار,,, توكل إليهم مهام الحياة والعمل والبناء,,.
أما المحور الثالث، فجاء في إبراز تجارب بعض الأمهات الشابات في التعامل مع أبنائهن، وكيف تُفجِّر الأمومة كوامن الابداع في الأم الموهوبة، ف (هلا بنت خالد) عرفت بمعرضها الأول وهي تقدم لأطفالها قصصاً مرسومة بريشتها آخرها (هجوم قراصنة السوس),,, وقد أبدت هلا الشابة المثقفة الطموحة، إشكاليتين: الإشكالية الأولى عندما عرضت اهتمام أدباء ومفكري الغرب بقصص الأطفال، تلك التي خرجت من أذهان اشهرهم كأسراب الطيور تحلق في أجواء الأطفال فيتبعون أجنحتها ويتمثلون بأفكارها ومبادئها,,, وكيف أن أدباء العرب لايعنون بذلك، حتى عندما قدمت معرضها الأول جاءت مبيعات كتبها باللغة العربية 2% نسبة إلى مبيعات الكتب المترجمة للقصص ذاتها في الانجليزية والتي بلغت 50%,,, وأن طلب الناشر العربي لها ألاّ تقع في خطأ الطباعة في ورق صقيل!! يقصي عن شرائه,,, بما يُلمح إلى الفارق بين قراء الطبعتين وهو أن هناك من يعنى بالمضمون، وهناك من يعنى بالشكل، وكانت تلك هي الإشكالية الثانية والأكثر إشارة إلى مفهوم الكتابة للطفل على الرغم من أن الاتجاهات الآن وعلى أيدي أمثال هذه النخبة الواعية ستأخذ المؤشر إلى درجة التفاعل والايجابية المطلقة نحو ثقافة الطفل، ودور الكتاب فيها, يبقى أمر الاهتمام بنوع ونمط الكتاب.
وقدمت الكاتبة الجميلة (أميمة الخميس) قصتها التي خرجت من جوار سرير طفلها غيمة في قالب أدبي رفيع، حولنا جميعا ونحن ننصت لها إلى أطفال يتحلقون حول منبع الخيال وفوَّهة الحلم,,, في نشوة وسعادة, كانت هلا خالد وأميمة الخميس نموذجين جميلين للأمهات الشابات اللاتي استفدن من مواهبهن وسخرنها لأطفالهن وهو اتجاه رائد لابد أن يُلفت إليه.
وقد جاء هذا الصالون ليكشف عن المواهب والتوجهات والأعمال الجيدة التي لم ينجل عنها الستار في غير مواجهة بين الواحدة والأخرى إلا هنا.
يبقى السؤال: هل هناك جهة ستتولى الأخذ بهذا الموضوع، والاستفادة من هذه الكفاءات المواطنة ومتى؟,,, ونحن نجد في كل مكان ينشأ للطفل الأخذ بمدارس وانجازات الغرب؟,,.
تحية لهن,,, تحية مزجاة بالتقدير,,, وبالأمل.
د, خيرية ابراهيم السقاف