Sunday 30th January, 2000 G No. 9985جريدة الجزيرة الأحد 23 ,شوال 1420 العدد 9985



الطائف مدينة حج,, لماذا تُخنق,,؟!
حمّاد بن حامد السالمي

* قرأت للأستاذ محمد بن ناصر الأسمري، ما سطره بقلمه الباتع، من حديث ماتع، في جريدة الاقتصادية يوم الثلاثاء، الموافق للسابع والعشرين من شهر رمضان الفارط، وتناول فيه العاصمة الصيفية الطائف ، من حيث أهمتها السياحية والدينية، وقربها من مكة، وقرب مكة منها، ثم انها تتعرض لنكسة اقتصادية كبيرة، بسبب حكر رحلات الحج والعمرة وحصرها على جدة وحدها، وتقليص الرحلات المجدولة بينها وبين العاصمة الرياض، والظهران وبقية المدن، حتى يضطر المسافرون من الطائف او اليها، استخدام مطار جدة, ثم عدد مزايا كثيرة للطائف، كان يمكن تسخيرها لتخفيف الضغط عن جدة، والتخلص من المركزية المقيتة التي تسود جوانب كثيرة ومنها حركة النقل الجوي، وربط الطائف بجارتها مكة ربطا قويا، واعادة وهجها الصيفي الذي كان,, الى آخر ما جاء في مقاله آنف الذكر, ولم أتقيد بحرفية المقال لضياع النص مني بعد أن قرأته، ولكني لم أنس تاريخ نشره، وهو في آخر المقال، عتب على محافظ الطائف وأبناء الطائف، حيث كما قال : يقابلون هذا الاجحاف بالصمت الرهيب,,!
* وانا,, اذ اشكر اخي الاسمري على اهتمامه بالطائف الذي سوف يظل مأنوسا، إن شاء الله فاني من أبناء الطائف الذين يشعرون بهذا الاجحاف الواقع عليهم وعلى مدينتهم منذ أعوام ماضية، وأتفق معه في كل ما ذهب اليه، وأتوجه من هنا، من على صفحات جريدة الجزيرة ، بهذا الرجاء الى صاحب السمو الملكي الامير عبدالمجيد بن عبدالعزيز امير منطقة مكة المكرمة، لتحقيق العدالة والمساواة، ورفع الإجحاف الواقع على الطائف دون بقية مدن المنطقة,, وأود ان أزيد في الايضاح لأقول: بأن الطائف في واقع الامر، تتعرض للخنق والتضييق، وقريبا سوف تفقد مكانتها السياحية والانتجاعية والثقافية، بعد ان اخذت تتدهور تجاريا، الا اذا تم وضع حلول عاجلة لبؤر المخانق هذه، والتي لا تتوقف على الرحلات المجدولة وغير المجدولة للخطوط السعودية، وانما تتعداها الى غيرها من اجراءات لم يعد لها اي مسوغ في الوقت الحاضر.
* جغرافيا وتاريخيا فان الطائف، جزء من مكة, والمؤرخون يقولون بأن مكة من الطائف، والطائف من مكة، وهذا من العصور التي سبقت ظهور الاسلام وبعده حتى العصر الحديث، وحتى ان روايات تاريخية ذهبت الى القول بأن الطائف وجدت من أجل البيت الحرام الذي هو في واد غير ذي زرع , وأنه جيء بها من الشام,, وغير ذلك, ودينيا، فان الربط بين الطائف ومكة واضح وصريح في القرآن الكريم, قال تعالى: وقالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم , فالقريتان هما مكة والطائف, والعظيمان هما: الوليد بن المغيرة من مكة، وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف.
* والرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم في اول خروج له من مكة بعد حصار الشعب، توجه نحو الطائف ولم يفضل عليها غيرها، ثم دخلها مرة اخرى فاتحا في العام الثامن من الهجرة.
* وأكثر الاسماء الواردة في السيرة النبوية للمواضع والامكنة والمعالم الجغرافية، هي من الطائف.
* وأكثر الأسماء الواردة في تاريخ الدولة الاسلامية من القادة والامراء والفاتحين والعلماء والادباء والشعراء والمؤثرين، هي طائفية ثقفية او هوازنية، او غير ذلك من اهل الطائف.
* والمسافة بين مكة والطائف لا تتجاوز ثمانين كيلا, وأقرب المدن الى مكة هي الطائف قبل جدة، ليس هذا بحساب المسافات، وانما بحساب التاريخ والجغرافيا والسكان، فمكة تشترك مع الطائف في الاودية والجبال والماء والشجر، لأن السلسلة الجبلية واحدة، ولان ماء مكة يأتيها من جبل بَرد وجبل كَرا ، عبر وادي نعمان، فالجغرافيا توحد المكان وتوحّد الانسان، فهذه قبائل قريش وهذيل وعتيبة وثقيف وغيرها، منذ مئات السنين وهي تعيش بين مكة والطائف، بين مدينتين لا يفصل بينهما غير جبل واحد, وهذه خيرات الطائف لمكة، من حبوب وفواكه وخضار، وما لذّ وطاب مما جعله الله طعمة لأهل مكة ولحجاج بيته العتيق، وبركة مكة للطائف قبل غيرها من المدن، والطائف هي المدينة الوحيدة التي يربطها بمكة طريقان، طريق الهدا، وطريق السيل، والطائف هي المدينة الوحيدة التي بها ميقاتان للحج هما قرن المنازل بالسيل ووادي محرم ، والطائف هي المنفذ البري الوحيد لمكة الى الجنوب والشرق وحتى الشمال، والطائف ومكة وجدة هي مدن الحجاز المعروفة منذ مئات السنين، لا يفصل بين المدن الثلاث إلا عشرات من الكيلوات، التي أصبحت في العهد السعودي الزاهر، تقطع بالدقائق وليس بالساعات ولا بالأيام كما كان الأمر قبلا، وكانت الطائف وما زالت وسوف تبقى، مدينة حج مثلها مثل جدة، فان عشرات الآلاف من الحجاج يعبرونها في ذهابهم وإيابهم كل عام، وكنا نعهد حجاج اوروبا من الدول اليوغزلافية يأتون بحافلاتهم من الشرق، فيمكثون بالطائف اياما، وكذلك حجاج الشرق من العراق وايران والخليج، وتقام في الطائف في مثل هذه المواسم، سوق تجارية رائجة للبيع والشراء، تضاهي بعض الاسواق في مكة، ثم لا ندري كيف سعت الخطوط السعودية في فترة سابقة، الى تحييد الطائف,,,! وتحويل كافة الرحلات عنها، ثم رأينا كيف تم فصل الطائف عن مكة وعن جدة ايضا، بإنشاء مركزين للجوازات، واحد في الكر ، والآخر في السيل الكبير ، وبذلك عزلت الطائف عن بيت الله الحرام، وعن منفذ بحري مهم هو جدة، وأصبحت غير مرتادة من الحجاج والمعتمرين والمتنقلين من الزوار في مدن الحج، الا لمن يحمل حظا، ويحمل ترخيصا خاصا يخوّله دخول الطائف من مكة وجدة، وهذا خنق اقتصادي وتجاري واجتماعي وثقافي ايضا، فكم من الادباء والمفكرين الزائرين لبيت الله الحرام ولمدينة جدة، تحدوهم الرغبة لزيارة الطائف والتعرّف عليها، لما لها من تاريخ عريق، ومكانة عليّة في تاريخ الدولة الاسلامية عبر مئات السنين، وكذلك في تاريخ الدولة السعودية الاولى والثالثة، فقد كانت امارة متقدمة للدولة السعودية الاولى على الحجاز بين عامي 1217ه و1229ه ، وكانت بوابة لدخول الملك المؤسس الراحل عبدالعزيز آل سعود رحمه الله الى بقية مدن الحجاز, وهذا حال ادباء الطائف ومثقفيه، الذين يرغبون في لقاء ضيوف البلاد عبر مكة وجدة، ولكن يحول دون ذلك ما سلف من إجراءات تعزل الطائف عن اكبر مدينتين في منطقة واحدة, وهذا وضع شاذ تدخل به الطائف القرن الجديد، وتستقبل به النهج الذي اختارته الدولة السنية رعاها الله لفتح العمرة، وفسح التنقل للحجاج والمعتمرين، وتنشيط الحركة التجارية والاقتصادية والسياحية في كافة مدن المملكة.
* وأحب ان اؤكد عن علم ومعرفة، بأن معالي محافظ الطائف ما سكت، وقد بذل ويبذل الكثير لتنشيط الحركة السياحية والتجارية والثقافية، ونقل مرئيات كافة المواطنين، وان أبناء الطائف ظلوا يتظلمون من هذا الوضع طيلة سنوات خلت، وذلك من خلال قنواتهم الرسمية والشعبية، فقد أبانوا في مرات كثيرة عن الضرر الذي يلحق بالطائف، جراء تجاهل الخطوط السعودية لمدينتهم التي هي عاصمة البلاد الصيفية منذ أيام الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وأكبر دليل على الموقف السلبي للخطوط السعودية، رحلاتها بين الطائف ومكة والظهران وغيرها من المدن، حيث تظل في كل صيف، وفي رمضان والأعياد والحج، قليلة متواضعة، لا تلبي الطلب عليها، ولا تتناسب مع حركة التنقل بين مدن المملكة والطائف، فيتدافع الناس عبر الطريق البري الطويل بين الطائف والرياض، والبالغ طوله 900 كم ، فتكثر الحوادث، ويزداد عدد الاموات بين المسافرين، ولا حياة لمن تنادي, ويبقى مركز السيل الكبير، ومركز الكر، لترشيد العبور بين المدينتين الطائف ومكة ، وهما بلد واحد، ومجتمع واحد، وجغرافيا واحدة، وتاريخ واحد، في بلد واحد.
* لقد سعت الدولة عام 1402ه، الى نزع ملكية حي كامل في قلب الطائف هو حي السليمانية ، لتقادم مبانيه، ولعدم صلاحيتها للسكن، ولتعارضه مع خطط التحديث والتطوير التي نهضت بها الدولة في كافة المدن، وكان اجراء موفقا، وكانت الدولة كريمة مع مواطنيها مثل ما هي عادتها، فتم صرف مبالغ كبيرة للملاك جاوزت ثمان مئة مليون ريال ,, وكان هذا الرقم كافيا لتغيير ملحوظ على بنية الطائف، لو تم استثماره داخل الطائف، لكنه هاجر الى مدن اخرى، ولم تستفد منه الطائف، نتيجة لعزلها عن مكة وجدة، والنظرة الضيقة التي تتحكم في جدولة الرحلات للخطوط السعودية، والتي لا تراعي مسألة التنمية الشاملة، ولا تشجع التنامي بين المدن الصغيرة والمدن الكبيرة، وانما تكرس جهدها للمزيد من التضخم للمدن الكبيرة.
* إن الحل الوحيد لدمج الطائف بمكة وجدة من جديد، هو في رفع أسباب الخنق والتضييق والعزل التي تتمثل في مركزي الجوازات، وفي تبني سياسة جديدة للنقل الداخلي، تجعل الطائف مدينة حج مثلها مثل جدة والمدينة المنورة ومكة، فيتم بموجب هذا وذاك، نقل مركز جوازات السيل الى موقع آخر على طريق الطائف الرياض، ونقل مركز جوازات الكر الى طريق الطائف الجنوب، وبذلك تصبح الحركة بين المدن الثلاث، مكة وجدة والطائف، حركة مرنة سلسلة، تنشط معها التجارة والسياحة والثقافة، ويتوزع رأس المال في استثمارات عادلة متوازنة، بين أكبر مدن منطقة مكة المكرمة، وتعاد دراسة النقل الداخلي الجوي والبري، بين الطائف ومكة وجدة، لتصبح الطائف جزءاً من السياسة العامة لخطط النقل، وليس استثناء كما هو الحال اليوم, عندها سوف نرى الطائف هي العاصمة الصيفية التي يتمنى كل مواطن في بلادنا أو في غيرها من البلدان، أن يصطاف في ربوعها كما كان يفعل الأجداد وأجداد الأجداد، من العصر الجاهلي حتى عصرنا هذا.
* ومرة أخرى,, فان هذا الامر بين يدي صاحب السمو الملكي الامير عبدالمجيد بن عبدالعزيز، امير منطقة مكة المكرمة، لما عرف عنه من حصافة رأي، وحرص واهتمام وإخلاص وتفان، في خدمة دينه ومليكه ووطنه الحبيب, وفقه الله، وسدد على الخير خطاه في كل وقت وحين.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

أسواق وصيف

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.