بيننا كلمة الوعد والمسؤولية د , ثريا العريّض |
هذه الأيام تحتفي كل الأوساط الثقافية في البلاد مرحبة بالخطط المعلنة لتفاصيل موسم ثقافي مميز أشرعت فعالياته باختيار اليونسكو لمدينة الرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000.
واختيار الرياض لم يأت عشوائياً ولا من فراغ تاريخي أو حضاري ولا يجب أن يثير تساؤل تعجب لدى أي فرد مطلع, فالرياض الحديثة الفتية التي انبثقت من موقع أصيل في تاريخ المنطقة، مدينة مميزة تجمع المجد من أطرافه، متجذرة في موروثاتها العربية الإسلامية وبيئتها البدوية الصحراوية وتقاليدها العريقة، ومثمرة مورقة في أفق التطور العلمي الراهن امتدادات من المدنية، وحديثة مرنة في استيعابها لمعطيات عصر جديد حافل بدعائم التطور المتصاعد قدما والتسهيلات التقنية, هي جديرة بأن تكون عاصمة للثقافة العربية,, وهي قادرة أن تحمل عبء هذا التحدي والمسؤولية مادياً ومعنوياً.
ترشيح الرياض واختيارها عاصمة للثقافة لم يأت اذن ترشيحاً لجائزة يسيرها منطق السياسة ومصالحها فقط, بل للاختيار هذا أبعاد أخرى أهم.
ليست الرياض أول عاصمة عربية تختارها منظمة اليونسكو عاصمة للثقافة العربية,, فقبلها اختيرت الشارقة وبيروت, والأولى مثل الرياض مدينة ناشئة مقارنة بالمدن العربية الأخرى، بينما بيروت لم تلتقط بعد أنفاسها من تشظيات عشرين عاماً من الحرب الأهلية ولم تعالج كل جراحها بعد.
للاختيار إذن أبعاد اقتصادية وأبعاد سياسية.
ولكن ما يدل عليه اختيار هذه العواصم، في مواقع مختلفة متباعدة من مساحة العالم العربي جغرافياً، هو أن الثقافة العربية لم تعد تتركز في موقع رأس منفرد يسير الجسد الباقي, وان الوعي متصاعد بأنه لم يعد هناك مركز محوري للثقافة العربية يستأثر وحده بالأهمية الريادية كما كان الحال في القاهرة حتى السبعينيات مثلاً، أو في بيروت في الستينيات قبل الحرب الأهلية,, أو حتى في بغداد الأربعينيات والخمسينيات, الآن كل المدن العربية الحيوية قابلة لأن تكون عاصمة للثقافة من المغرب العربي وتونس حتى الكويت والدوحة,, وكلها تشترك في معايشة حركة التجدد في النشاط الأدبي والفني والعلمي, وللبعض منها ما فضلها الله به على البعض الآخر من قدرة احتواء النشاطات ودعمها مادياً.
وهنا يتضح الدور المتنامي لنشاط المدن الخليجية ثقافياً موازياً لنشاطها اقتصادياً ونموها اجتماعياً, الرياض قادرة على تحقيق طموحات قد لا يمكن تحمل كلفة تحقيقها في مواقع أخرى,, وما نحتاجه هو سعة أفق ابداعي يستوعب هذا المفهوم الرائع للثقافة الحيوية بعيداً عن التقعر والتمحور.
هو وعد للساحة العربية بمبدعيها ومثقفيها والنشء المتطلع لعضوية ثقافية، بانفتاح مجالات المشاركة والعطاء وتسريع عجلة النمو والتجديد الثقافي, وهو وعد باثراء نشاطات الساحة المحلية بتداخل وتلاقح مع النشاط الثقافي المتجدد خارجها.
والرياض حقاً على مستوى الوعد والمسؤولية.
|
|
|