التقويم الميلادي من خلال رؤية إسلامية د, محمد محمود محمدين |
اعتمد الانسان منذ اقدم عصور وجوده على سطح الارض في قياسه للزمن على تتبع الشمس والقمر واستطاع ان يبتكر نظما لقياس الزمن بوحداته المختلفة من يوم واسبوع وشهر وسنة وقد اطلق على هذه النظم التقاويم ولنا نحن العرب ان نفخر بان وطننا العربي هو مهد التقويم القمري في بابل ومهد التقويم الشمسي في مصر حيث توصل المصريون الى تقدير طول السنة منذ 4241 ق,م ومعنى ذلك انهم سبقوا الرومان في استخدام التقاويم بأكثر من اربعة آلاف سنة.
كيف نشأ التقويم الميلادي؟
ترجع نشأة التقويم الميلادي الى الرومان الذين كانوا يعتمدون على التقويم القمري حتى سنة 45 ق,م وكان شهر مارس بداية السنة وكانت السنة 354 يوما، وحتى تتفق السنة مع الفصول الاربعة كان الرومان يضيفون شهرا كل سنتين، لكن هذا النظام ادى الى حدوث اضطرابات ومنازعات سياسية، وفي سنة 46 ق,م اعتمد يوليوس قيصر على نصيحة الفلكي المصري سوسيجينس Sosigenes الذي اقترح ان يكون طول السنة 365 يوما لمدة ثلاث سنوات تليها سنة رابعة يكون طولها 366 يوما وتعرف باسم سنة كبيسة وبذلك يصير طول السنة في المتوسط 365 وربع يوم وقد تعدل تسمية التقويم من اليولياني الى التقويم الجريجوري او الجريجواري، وبناء على هذا التعديل فان السنوات المئوية مثل 1400، 1500، 1600 لا تعد سنوات كبيسة الا اذا قبلت القسمة على (400) بينما السنوات العادية تقسم على (4) فقط لكي تعرف انها كبيسة اذا قبلت القسمة دون باق، وعلى هذا الاساس كانت سنوات 1700م، 1800م، 1900م، سنوات عادية اما سنة 2000م فهي سنة كبيسة ويكون شهر فبراير 29 يوما.
وجدير بالذكر ان التعديل الجريجوري لا يعد آخر تعديل بل يتوقع الفلكيون ضرورة تعديل التقويم الميلادي كل اربعة آلاف سنة بسبب الاختلافات الطفيفة في مدة دورة الارض حول نفسها وحول الشمس.
أسماء الشهور الميلادية:
اسماء الشهور الميلادية رومانية الاصل، والرومان لم يكونوا امة توحيد بل كانت امة وثنية تعتقد بتعدد الالهة الخرافية، ويتضح ذلك من اسماء الشهور حيث نجد خمسة اشهر تنسب الى آلهة وثنية وهي: يناير نسبة الى الالة يانوس Janus إله الحرب والسلام، ومارس نسبة الى اله الحرب، وابريل نسبة الى معبودة تتولى فتح الازهار، ومايو نسبة الى (مايا Maia) ابنة الاله اطلس الذي اعتقدوا انه كان يحمل الارض، ويونيو نسبة الى الإلهة (جونو Juno) زوجة المشتري.
وهناك شهران باسم قيصرين هما يوليو واغسطس، نسبة الى يوليوس قيصر، واغسطس قيصر الذي انتصر في اكتيوم البحرية سنة 31 ق,م, واذا كانت شهور السنة الميلادية تتتابع 30 يوما ثم 31 يوما، فان شهري يوليو واغسطس هما الشهران المتتابعان اللذان يكون لكل منهما 31 يوما حتى لا تقل منزلة احدهما عن الاخر.
وتشير بقية اسماء الشهور الى اعداد، فسبتمبر تعني السابع وأكتوبر تعني الثامن ونوفمبر تعني التاسع، وديسمبر تعني العاشر على الرغم من ان ترتيبه الثاني عشر، ويرجع السبب في ذلك الى اضافة شهرين حيث كانت السنة عشرة اشهر، اما تسمية شهر فبراير فهي من فبرورا Februra بمعنى التطهير والتنظيف لتطهرهم في هذا الشهر من الذنوب والخطايا.
المسلمون والتقويم الميلادي:
ظل التقويم الهجري التقويم الوحيد الذي اعتمد عليه التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية ولم يشاركه التقويم الميلادي الا في عهد الخديوي اسماعيل بمصر في 29 رجب 1292ه (سنة 1875م) وذلك عندما زاد عدد الاجانب بمصر وما تبع ذلك من مظاهر التغريب او التبعية للفرنجة، وارتبط انتشار التقويم الميلادي في كثير من الدول الاسلامية بالاستعمار الاوروبي الذي فرض هيمنته الثقافية على كثير من الدول الاسلامية، ورحل المستعمرون وظلت آثار لهم تتمسك بها بعض الشعوب الاسلامية ومنها الاعتماد على التقويم الميلادي مع الجهل بالتقويم الهجري وهذه نكسة حضارية اذ ان كثيراً من ابناء الامة الاسلامية يجهلون ترتيب اسماء الشهور العربية، وهناك ازدواجية تعكس بوضوح نوعا من الصراع الحضاري بين الوافد والموروث، نعم ليس هناك ما يحول دون الاعتماد على التاريخ الميلادي الى جانب التاريخ الهجري، لكنَّ كثيرا من المسلمين يرون انه لايجوز ذكر هذه الشهور التي تشير الى اسماء آلهة خرافية ويرون ضرورة تغييرها باسماء ذات دلالات اسلامية وعربية، ويرون كذلك ان مزايا التقويم الهجري انه يعتمد على رؤية الهلال بالعين المجردة ولا ينتظر تعديلا من الفلكيين كما حدث في التقاويم الاخرى بسبب اخطاء الحسابات القديمة، وان حدث خطأ في تحديد بداية شهر قمري فإنه لا يتراكم بل سرعان ما يتم تلافيه بتعاقب الشهور، ويقول الحق تبارك وتعالى (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) سورة البقرة آية 189, والاعتماد على رؤية الاهلة امر سهل ميسور للحضر والبدو والعالم والجاهل.
ومما تجدر الاشارة اليه ان اصواتا قد ارتفعت في بعض الدول الاسلامية تنادي بالاعتماد على التقويم الميلادي في كل جوانب الحياة لما يتميز به من الدقة ونسي هؤلاء او تناسوا ان امورنا الدينية كلها ترتبط بالشهور القمرية فالحج والصيام والزكاة وعدة الطلاق كلها ترتبط بالشهور القمرية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر فان الزكاة تدفع اذا بلغ المال نصابها وحال الحول اي العام الهجري ولو اعتمدنا على السنة الميلادية فمعنى ذلك اننا ننقص ما يؤدي من حقوق مستحقي الزكاة لان كل 32 سنة ميلادية تعادل 33 سنة هجرية فاذا ادينا الزكاة اعتمادا على السنة الميلادية التي تزيد 11 يوما على السنة الهجرية فاننا نضيع زكاة سنة هجرية كل 32 سنة ميلادية!
وصفوة القول في هذا الموضوع انه اذا كان ديننا السمح يسمح بان نستخدم التقويم الميلادي تيسيرا للامور وجلبا للمنفعة فان ذلك لا يمكن تعميمه بالنسبة لما يرتبط بالعبادات من زكاة للمال او بالنسبة لقوانين الاحوال الشخصية، وعلينا ان نتمسك بتاريخنا الهجري الذي يرتبط بتاريخ امتنا وتراثها وفكرها ومعتقداتها والذي يعد من ابرز السمات الاصيلة لهويتنا الاسلامية.
|
|
|