موقف إنساني في حفل إعلان الرياض عاصمة ثقافية د,عبدالرحمن بن سليمان الدايل |
تتقدمم الأمم وتنمو بجهود أبنائها المخلصين وتتبوأ مكانتها بتضافر هذه الجهود وتكثيفها في ميادين العمل المختلفة، وتثمر تلك الجهود نهضة شاملة متى وجدت من يرعاها ويحرص عليها ويشدُ على أيدي العاملين من اجلها بل ويضع يده في أيديهم ويتقدم بهم نحو المزيد من التطور والنماء.
وتقدم الأمم لا يُقاس فقط بما تشهده أراضيها من بناء وتعمير يصل بها إلى مزاحمة الطيور في الفضاء أو بالغوص في أعماق البحار تسبر أغوارها, بل إن معيار التقدم الحقيقي يتعدى الجوانب المادية المنتجة الى ذلك المجال الرحب الفسيح ونعني به الفكر المستقيم والأصالة المتطورة والمتجددة والجوانب الإنسانية في حضارة الأمم, وهنا يكمن سرُّ تفرد الأمم وتميزها.
فكم من منشآت عملاقة ونهضة عمرانية شهدها العالم وهي تخرّ قاعا صفصفاً من جراء فكرٍ عقيم أو تصرف بشري طائش, وفي المقابل يسطر التاريخ في أنصع صفحاته تلك الملحمة التنموية التي قامت على أرض المملكة العربية السعودية في فترة وجيزة من الزمن فتحولت الصحراء الجرداء بفضل الله إلى ارض تنتج وتزرع وتصنع وتصدر, وصارت أرض أمن وأمان بعد ان كانت صحراء مقفرة داخلها مفقود والخارج منها مولود كما يصفها بعض المؤرخين.
وهذه النقلة الحضارية الكبيرة والقفزة التنموية العملاقة تقف خلفها ومعها جهود واثقة ومعروفة منذ أن انطلق الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه يستعيد الرياض ويقيم أركان دولة فتية يؤسسها بفكر مستقيم نابع من شرع الله القويم, وبجهود مخلصة بناءة تضع في حسبانها منذ اليوم الأول للتأسيس ان البنيان يعتلي ويكون أشد قوة وصلابة، ويصبح قادرا على النمو والازدهار اذا كان الإنسان هو العنصر الأساسي والمحور الذي يدور حوله البناء، فكانت الجوانب الإنسانية في مسيرة التأسيس سمة مميزة لثقافتنا التي نعتز بها وبمنطلقاتها الإسلامية والعربية الأصيلة.
لقد وضح ذلك جليا خلال مسيرة الثقافة السعودية التي لعب فيها الجانب الإنساني أهم الأدوار,, فكان أبناء هذا الوطن هم الأساس في البناء، وهم الأساس في النماء، وهم أيضا الأساس في العطاء والازدهار، وتركزت جهود قيادتنا الحكيمة حول تطوير الإنسان السعودي فهو المنتج للثقافة وعلى جهوده وفكره يتوقف مدى التقدم الثقافي.
ولست هنا في مجال تعداد الجهود التي قامت بها الدولة في مجالات التنمية المختلفة، فها هي ثمارها صارت مضرب المثل في عالم التنمية اليوم,, ولكن الواجب يفرض علينا ان نجيل البصر حولنا فنحمد الله من قلوبنا ونسأله أن يديم علينا كامل نعمه.
ولقد ظهرت ثمار الاهتمام المتنامي بالإنسان عبر مسيرتنا الثقافية في ذلك الاختيار الموفق وانتخاب الرياض عاصمة للثقافة العربية ليتصل الحاضر بالماضي، ولتعيش الرياض أفراحها المستمرة والمتواصلة تنشر رسالة الخير وتبدع فيها، وتفتح قلبها النابض بالرخاء والنماء لتحكي للعالم من حولها قصص البناء وقصص الخير والنمو والعطاء التي كان أبطالها أبناء هذا الوطن المعطاء.
لقد سيطرت السمة الإنسانية للثقافة السعودية في الاحتفال الذي رعاه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز امير الرياض حينما أعلن سموه الكريم انطلاقة الرياض عاصمة للثقافة العربية لعام ألفين, وبرزت هذه السمة في أزهى معانيها وأشرف صورها، وترجمتها عينا سموه عندما أبدتا تأثراً واضحاً وهو يوجه كلمته بهذه المناسبة وهو يسجل بكل تقدير جهود فقيد الوطن والشباب صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز في اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية.
إن هذا الموقف الإنساني لم يكن وليد هذه اللحظات بل هو شعور متأصل لدى أبناء هذا الوطن الذين يعرفون للفقيد جهوده المتميزة في مجال الشباب والثقافة ويعرفونه يرحمه الله بشخصيته وإنسانياته وإنجازاته التي جعلت النهضة الرياضية والثقافية تنتقل من المستوى المحلي الى المستوى المتميز على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية.
وهاهي الرياض عاصمة الثقافة العربية تحفظ لسموه يرحمه الله كافة جهوده وتترحم عليه اعترافا بفضله وبما حققه للرياض في الميدان الثقافي, ولقد كانت تلك المشاعر الفياضة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز خير تعبير على الجوانب الإنسانية التي تتميز بها ثقافتنا السعودية التي نفخر ونعتز بالانتماء اليها.
وإذا كانت السمة الإنسانية تفرض نفسها عند الحديث عن ثقافتنا ونحن نحتفل باختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية فقد وجدت من الواجب الوقوف عند ذلك الجانب المهم في حياتنا آملا ان يتسع الوقت لتناول المزيد من الجوانب ونحن نتأمل معا في حياتنا الثقافية المشرقة وواجبنا نحوها لتظل ثقافتنا دائما في الصدارة بعون الله.
|
|
|