ماذا ينقص ابناءنا الطلاب حتى يرسبوا في مواد صغيرة الحجم محدودة الفكرة؟ شيء عجيب,, لكن لا يطول العجب إذا علمنا كيف يهدر ابناؤنا هؤلاء أوقاتهم,, فالوقت,, أو الزمن هو الحياة, وحياتك إذا لم تكن منظمة فإن أشياء كثيرة تفقدها,, وتضيع عليك.
وطلابنا متهمون بإنهم لا يدرسون العلم للعلم, وهم يتركون مدارسهم وليس في أيديهم من المعارف ما يستطيعون به اثبات أن لهم قلوباً يعقلون بها أو آذاناً يسمعون بها، أو أعيناً يبصرون بها، لأن القلب الواعي يعقل ما شاء الله من المعارف, والأذن التي تسمع جيداً تكون عادة لها علاقة قوية بالعقل الذي يستوعب, واما العين فهي جماع ذلك كله، فهي ترى والقلب يعقل ما ترى، بعد ان يسمع من الأذن,, وقد لا يحتاج للأذن فيكفيه النظر.
ولو تصفحنا هذه المقررات المدرسية التي يدرسها الطلاب اليوم وما تسهله المعارف في رصد الدرجات، ثم رأينا ضحالة الكسب العلمي، وكسب الدرجات لدى الطلاب، لألفينا العجب العجاب, لكن يظل الوقت هو المفقود لدى هؤلاء الطلاب وهو الزمن المهدر.
وطلابنا لا يعرفون عن الأوائل من العلماء والأدباء والشعراء العرب والمسلمين ما يحفزهم لشحذ هممهم، وكسب المعارف,, فهم لا يعرفون عن ابن الجوزي الذي ألف في شتى الفنون والمعارف, فهو يقول: كتبت بأصبعي هاتين ألفي مجلدة , ويقول: طالعت وأنا في طلب العلم عشرين ألف مجلد, عرفت منها سير القوم وقدر هممهم وحفظهم وعباداتهم وغرائب علومهم وما لايعرفه من لم يطالع,, فصرت استزري ما الناس فيه واحتقر هممهم ولله الحمد,, ويقول عنه ابن تيمية رحمه الله : كان ابن الجوزي مفتياً كثير التصنيف والتأليف وله مصنفات في أمور كثيرة حتى عددتها فرأيتها أكثر من ألف مصنف,, وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله صنف أكثر من اربعمائة مصنف,, وتحدث الشيخ ابن تيمية عن الإمام ابي الوفاء ابن عقيل الحنبلي فقال انه من أذكياء العالم,, في محافظته على الزمن, وقد اثمر عن ذلك أكبر كتاب عرف في الدنيا وهو كتاب الفنون حيث بلغ ثمانمائة مجلدة,,.
أما الإمام ابن جرير الطبري صاحب التفسير وصاحب التاريخ من آدم حتى زمانه فقد اختصر تفسيره من ثلاثين ألف ورقة الى ثلاثة آلاف وكذلك تاريخه، لما رأى ان من حوله لا يستطيعون متابعة ذلك، وقد بلغ من العمر ثلاثاً وثمانين سنة, مكث اربعين سنة منها يكتب كل يوم اربعين ورقة، فكم كتب في هذه الأربعين سنة؟! أينكم ياطلاب اليوم من هذا, وأنتم تغرقون في بضع وريقات,, يسمونها مقررات مدرسية؟!