** محمد اليحيائي كاتب عُماني تمرد على نفسه,, أحيانا يعيش عزلة اختيارية واحيانا يجوب اطراف الخليج بحثا عن المهمشين والضعفاء,, يتمرد اليحيائي حتى على أشكال الكتابة، فيهرب من رهافة الشعر الى حدة القصة,, إلى منطقية المقال,, إنه يبحث عن اكثر الاشكال قدرة على التعبير عن أزمة الإنسان العربي، التي استعرضها عبر مجموعتين قصصيتين: خرزة المشي ثم يوم نفضت خزينة الغبار عن منامتها ,, التقينا به نسأله عن أزمة انتقاله من شكل أدبي الى شكل آخر,, نسأله عن الكتابة في عمان وفي الخليج بوجه عام، فكان هذا الحوار لالجزيرة :
شاعر القصة
* بعد إصدارك مجموعتين قصصيتين,, لماذا لم تصدر ديوانك الشعري حتى الآن رغم انك بدأت كشاعر؟
كان لدي ديوان شعر قيد الصدور ولكني تراجعت عن نشره لشعوري بالاقتراب اكثر من القصة، حيث شعرت بانني لو اعطيت القصة الاهتمام الذي اشعر به في اعماقي فربما استطعت ان اعبر عما بداخلي من شعر من خلال القصة.
* هل يعني هذا انك تركت الشعر نهائيا,؟
لا,, انا لم اترك الشعر ولكني تركت القصيدة، فالفنان لا يترك الشعر لسبب بسيط هو ان الشعر عطاء شامل لكل الفنون والابداعات المختلفة,, الشعر يعايش ولا يمكن التخلي عنه، ويمكن ان يعبر عنه بأشكال ووسائط مختلفة، ليست الكتابة في النهاية إلا وسيط واحد من وسائط التعبير عن روح الشعر.
* وما سر هذا الخلط بين نوع أدبي ونوع أدبي آخر,, وأعني الشعر والقصة في إبداعك؟
لقد بدأت كتابة القصة لكني لم استمر حيث ذهبت الى الشعر لفترة ثم عدت الى القصة من جديد، او غادرت الى القصة، ومنذ منتصف الثمانينيات وانا اكتب القصة اكثر مع التراوح في كتابة الشعر.
* وكيف تختار النوع الادبي الذي ستعبر من خلاله سواء أكان قصة ام مقالة ام شعرا؟
اختيار الجنس الأدبي يكون خاضعا للوجداني والروحي والعفوي، ولا يستطيع الإنسان ان يختار عن وعي قاصد,, ثم انني غير مؤمن بالفصل بين الاجناس الادبية في الكتابة، فيجب ان تحمل القصة روح الشعر ويحمل الشعر روح الحكي، مع الاختلاف في التقنيات المعروفة التي تفرض نفسها.
القصيدة السياسية أفسدت الشعر
* هل تحب ان تصنف كقاص أم كشاعر؟
ما زلت الى الآن اكتب الشعر والقصة معا، وإن كنت الى الآن أميل الى القصة لأنها أكثر قدرة للتعبير عن المشكلات الوجودية بمعانيها المختلفة، فهي اكثر قدرة على احتواء مشاكل الإنسان المعقدة، في حين لا تستطيع القصيدة التعامل معها.
من ناحية اخرى انا واحد من الناس الذين يتداخل لديهم ما هو سياسي وما هو معيشي, وربما هذا قدر الانسان العربي الذي اصبح متحدثا في السياسة بطبيعة مشاكله اليومية, فتورط القصيدة العربية في السبعينيات فيما هو سياسي كان تورطا فجا وخطابيا ولم يقترب من الحالة الإنسانية، مما ادى الى تفريغ القصيدة من قيمتها الفنية.
لهذا السبب تلاحظ ان شاعرا مثل محمود درويش وهو شاعر قضية كما يقال، انسحب من الخطاب السياسي الفلسطيني الى ما هو ملحمي وإنساني، فابتعد عن فلسطين القضية الى فلسطين الانسان في حين لا يزال سميح القاسم خطابيا في قصيدته.
هذا التفريغ للقصيدة العربية جعلني اعتقد ان القصة هي الأجدر على التعبير عن تلك القضايا السياسية الملحة.
عُمان: المكان والناس
* وبما أنك اتجهت الى القصة,, ما أهم الأجيال القصصية في عُمان؟
نستطيع ان ننظر الى اتجاهين هامين في القصة العُمانية,, اتجاه القصة التقليدية التي نسخت تجارب عربية سابقة في مصر والعراق والشام، وقد بدأ ذلك في اواخر الستينيات على يد عبدالله الطائي ثم احمد بلال وسعود المطفر، وقد استمرت هذه المجموعة الى منتصف الثمانينيات حيث كانت حاضرة بقوة في المشهد الادبي العُماني، إلى أن ظهرت مجموعة اخرى بدأت تطور هذا الاتجاه بعض الشيء ويمثلها حمد رشيد.
اما الاتجاه الآخر فقد ظهر في منتصف الثمانينيات مستفيدا من المُنجز التقليدي مع إضافة المهارة الشخصية والمغامرة الخاصة، وبعض هؤلاء يكتب الأجناس الأدبية ويخلط فيما بينها، فيما يُسمى بالنص المفتوح، وهناك تنوع كبير في تجارب هذا الاتجاه وأغلبها يبشر بالخير لكني لا أود ذكر اسماء.
* وما الذي يمكن ان يستلهمه هؤلاء الكتاب من البيئة العُمانية ويكون مختلفا عن سائر بلدان الخليج؟
عُمان لديها تنوع هائل,, فهناك البيئة البحرية والريفية والجبلية,, فلو اخذنا اربعة كتّاب عمانيين من تلك البيئات المختلفة ستجد ان لكل واحد منهم ثقافته الخاصة ورموزه الحقيقية التي يعي الحياة من خلالها،,, فتجد عند هذا الماء وعند آخر الجمل وهكذا,, اعتقد اننا نستطيع ان نراهن على وجود كتابة في عُمان تمتلك قدرا هائلا من التنوع والزخم استنادا الى التنوع البيئي وثرائه، بجانب التمازج الثقافي الفلكلوري مع حضارات متعددة فارسية وهندية وافريقية وعربية.
الخليج شجرة متنوعة الثمار
* لكن ألا يمكن النظر الى التجربة الخليجية كتجربة واحدة خاصة مع تشابه البدايات؟
هناك تقارب من حيث البدايات الزمنية لدى دول الخليج، ولكن لا يمكن قياس البحرين بالإمارات لأن تجربة البحرين كانت اسبق,, والتجربة الخليجية عامة كانت صدى للتجربة الأدبية في المشرق العربي، في مصر والعراق والشام، وبعد اكتشاف النفط والحياة الاستهلاكية في دول الخليج اصبح هناك قوس قافز يربط دول الخليج بالعالم كله، وليس بالعالم العربي فحسب، فالبعثات التعليمية كما ذهبت الى القاهرة ذهبت ايضا الى لندن.
بعض الكتاب في الخليج بدأوا مثلا قصيدة النثر متأثرين بالعالم الغربي، ومع مرور الوقت تمازج هذا التأثر مع المفردات المحلية، فأصبحت هناك نكهة خليجية في بعض المكتوب.
هناك بصمات خاصة لكل دولة خليجية تختلف عن الاخرى، فعُمان مثلا لديها عمق حضاري كما ذكرت يجعل الخطاب الثقافي العماني مختلفا عموما عن الخطاب الخليجي, هناك من ينظر لى الخليج برمته فيقول قصة خليجية مثلا، ولكن اذا قبلنا بهذا التقسيم الجغرافي الحالي نستطيع ان نقول ان هناك قصة عمانية واخرى قطرية وهكذا.
* ومن هم في رأيك كتاب الخليج الذين يقدمون تجارب مميزة وتستحق الاهتمام الاعلامي على مستوى العالم العربي كله؟
في السعودية عبدالعزيز مشري، واحد من أهم الروائيين العرب ولكن لم يأخذ حقه اعلاميا ونقديا بما يتوازى مع تجربته الروائية، وكذلك امين صالح لديه تجربة سردية هامة تزاوج بين ما هو شعري وما هو سردي وهناك في الكويت ليلى العثمان لديها تجربة تستحق التقدير على مستوى الوطن العربي بأسره، وفي الامارات هناك عبدالحميد أحمد,, وغير هؤلاء الكثير مما يصعب تعداده,.
رواية في الطريق
* بعد ما جربت كتابة الشعر والقصة,, ألا تفكر في كتابة الرواية حالياً؟
لقد بدأت منذ عدة سنوات مشروعا روائيا لكني توقفت عند مرحلة معينة منه لنقص المراجع الضرورية، فالعمل الروائي الذي تفرغت له كان عن شخصية تذهب الى شرق افريقيا حيث تعيش في مكان بعينه,, ورغم قراءتي عن هذا المكان لكنني احب ان أراه حتى لا اخون نفسي عند الكتابة عنه، وهذا ما اوقف المشروع,, لكنني بصدد العودة الى المشروع رغم توقفي عنه حوالي خمس سنوات، وارجو ان استطيع السفر الى هذا المكان حيث تدور احداث الرواية.
شريف صالح