شخصيات قلقة ألن جنسبرج 1926 - 1997م شاعر الرصيف الأمريكي |
* كان الاديب لويس شاعرا غنائيا ورجلا عاقلا، اما الام نعومي فكانت مريضة بالبارانويا، تساق من حين لآخر الى مصحات الامراض العقلية! ولا حيلة للطفل الن الا ان يكسب والده بتصرفات تنم عن رجاحة عقل، كذلك يكسب ثقة امه بأن يشاركها تخيلاتها الوهمية المريضة,, أي انه علم نفسه بنفسه ان يعيش احيانا في عالم العقل واحيانا اخرى في دنيا الجنون والهذيان.
والد ألن جنسبرج في نيوجرسي بنيويورك، وكان رغم مأساة امه ذات الاصل الروسي صبيا هادئا في مواقفه الاجتماعية والسياسية الى ان اتم دراسته الثانوية وذهب لدراسة القانون بجامعة كولومبيا ارضاء لوالديه حيث رغبا ان يكون ابنهما محاميا يدافع عن العمال, لكن الابن تعرف في ذلك الحين على مجموعة من الشعراء والروائيين ابرزهم: جاك كرواك ووليم بوروز وكارل سولون، فيما سمي بجيل الغضب او Beat generation وهم جماعة ما بعد الحداثة في الادب الامريكي المعاصر.
ما ان تعرف ألن جنسبرج على هؤلاء حتى ترك دراسة القانون وتفرغ للآدب ابداعا ودراسة، فكان كسائر هؤلاء يكتب اشعاره تحت تأثير الادمان والغموض, لقد جرب ان يكتب قصائده الاولى على نهج ابيه الشاعر التقليدي لكنه لم ينجح، ومن هنا بحث عن درب آخر اكثر غرائبية وفخامة، وقد ساهمت هذه الطفرات بين سلامة العقل والجنون في تكوينه الشعري المتميز كما يقول بول برمان.
واصبح ألن جنسبرج رأس الحربة في جيل الغضب منذ ان نشر ديوانه الاول عواء الذي اثار عليه سخط السلطات الامريكية فصادرت الديوان واعتبرته عملا سيئا، ولم يصدر الا بعد معركة قضائية حامية الوطيس, ان اشعاره ليست فحسب ضد السياسة الامريكية بل ضد التقاليد والمجتمع الامريكي، لذلك وصف الناقد هامبتون ألن جنسبرج بانه اشعر شعراء امريكا في جيله وانه استاذ في اثارة السخط!! حتى عندما زار براغ عام 1968م توجّه الطلبة ملكا ليوم عيد العمال لكن الحكومة التشيكية لم تحتمل تصرفاته الشاذة مع الطلبة هناك وطردته خارج البلاد.
انه شخص مجنون تقريبا يقود ثورة الى مجتمع بوهيمي متحلل,, وقفت احدى السيدات في ندوة ما تسأله : لماذا تتحدث كثيرا عن الشذوذ في قصائدك؟ فأجابها امام الحضور جميعا وببساطة تامة: لاني شاذ يا سيدتي!!
لا فرق بين حياته وبين حياة زملائه في جيل الغضب، فكانت تلك المجموعة تدعو الى القطيعة مع طرق الكتابة السابقة عليهم بحثا عن اساليب مستمدة من اليومي والعادي والمعاش.
انهم مجموعة اصدقاء تعاطفوا مع مصالحهم المشتركة والذاتية ضد لا مبالاة وعدوانية المجتمع المحيط بهم، وقد شرح ألن أهداف حركتهم الادبية في رسالة لابيه عام 1957م قائلا: طريق الخلاص الوحيد هو ان يضطلع الافراد بالمسؤولية، ويعبرون عما يشعرون به حقيقة، وهذا ما نحاول ان نفعله جماعة.
وفي حوار مع مجلة باريس ريفيو اكد ألن نفس الهدف قائلا: كان هدفنا ان نكسر الحاجز الذي يفصل بين ما نقوله ونتحدث به مع اصدقائنا ومعارفنا وبين ما نكتب، أي ان ما يشغل جيل الغضب الامريكي او ما بعد الحداثة هو ازالة الحاجز الوهمي بين ما يعيشونه بالفعل وما يكتبونه على الورق, ومن هنا رفع ألن جنسبرج شعار ليس المهم ان تكون على صواب، بل المهم ان تكون صريحا .
وبالتالي لا يمكن دراسة دواوينه الشعرية المختلفة مثل: بوابات الغضب الحصان الحديدي الكفن الابيض قاديش,, لا يمكن دراسة هذه الاعمال بمعزل عن حياته وتقلباته النفسية، فاذا كان هو المسؤول كما تقول الناقدة هيلين فندلر عن اطلاق نفس الشعر الامريكي الى آفاق جديدة وبعيدة، فان هذا لا ينفصل عن حياته المتشظية حيث عمل كغاسل اطباق وعامل لحام وبواب وايضا كمراجع للكتب في مجلة نيوزويك الامريكية، بالاضافة الى حياة العربدة مع زملاء جيل الغضب لسنوات طويلة.
لقد حصد ألن جنسبرج العديد من الجوائز رغم عدائه مع المؤسسات التقليدية وبعد خمسين عاما من الابداع والتمرد والبوهيمية، اصيب في مارس عام 1997م بسرطان الكبد ورفض اي نوع من العلاج يعينه على الحياة، وكأنه الاصرار على العبث حتى في لحظة الموت.
ورغم الحس العدمي في انتظار الموت كان يشعر او يتوقع ان يعيش على الاقل ثلاثة او اربعة اشهر قبل ان يموت ويسلم الروح ولكن لكل اجل كتاب، وماهي الا ايام ثلاثة حتى رحل استاذ السخط وشاعر الرصيف الامريكي، تاركا جيلا من الاعداء لمبدئه الشهير: كن صريحا ولا يهم أن تكون على صواب ,,!
|
|
|