عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,, وبعد: أول من عرف التدخين هم الهنود الحمر، فقد اشتعلت النار في إحدى المزارع، فإذا برائحة الدخان تثير الرغبة لاستنشاقها، وما ان خمد الحريق حتى بدأ حريق آخر في ايدي الهنود الذين اقبلوا عليه بشراهة، وجاء كرستوفر كولومبس واكتشف امريكا واكتشف التدخين معه, كان الهنود الحمر يضعون نوعا معينا من النباتات على النار التي يجتمعون حولها، مشكلين دائرة وكل منهم ممسك انبوبا في يده ويستنشق بواسطته الدخان المتصاعد من النبات المحروق والذي عرف فيما بعد بالتبغ، كان يحدث ذلك غالبا في مناسبات الانتصار على قبائل اخرى، وكان في تصورهم ان الدخان من ذلك النبات يطرد الشياطين والارواح الشريرة كما يشفي من الامراض، وكانوا يشعرون بانتعاش حينما يستنشقون دخان ذلك النبات او يمضغون اوراقه، ثم بدءوا يستخدمون التدخين بالطريقة التي يستخدمها المدخنون اليوم تقريبا، وكان تدخين الغليون رمزاً للسلام والوفاق حيث كان احد الطقوس المهمة في اتفاقات السلام.
وكانوا ايضا يستخدمونه مضغا ويستنشقونه ويستخلصون المادة الفعالة منه.
بدأت اوروبا على البعد تشم رائحة التبغ وتسعى لزراعته في بلادها بحثا عن الفائدة المزعومة، وكانت فرنسا هي الاولى عام 1556م وتبعتها البرتغال ثم اسبانيا وانجلترا، وانتشر التبغ في العالم كله بعد ذلك بفترة قصيرة بسبب البحارة البرتغاليين والاسبان الذين كانوا يجوبون البحار في شتى انحاء الارض حتى اصبح التبغ سلعة رئيسية تقدم في مقابل الصناعات الاوروبية.
كانت تستخدم اوراق التبغ في البداية في تدخين الغليون ثم اصبحت على شكل سجائر واول من قام بصناعة السجائر متسول اسباني في بداية القرن السادس عشر كان قد مزق اعقاب السيجارة ولفها في ورقة وقام بتدخينها وفي عام 1881م سجل الامريكي (جيمس بونساك) اول براءة اختراع لآلة لتصنيع السجائر تستطيع ان تصنع 000,120 سيجارة يوميا, اما الان حوالي ثمانين دولة تنتج التبغ وتصل الكمية المنتجة منه في العالم سنويا الى عشرة الاف مليون رطل.
السبب في انتشار التدخين في العالم وبشكل مذهل هو الادمان، فالتدخين ادمان وليس لمادة النيكوتين فقط، والا اصبح بالامكان استخدام مادة النيكوتين كعقار يغني عن التدخين ولكن الواقع يبدو اعقد من ذلك بكثير فالعادات الادمانية الاخرى والارتباطات النفسية المصاحبة للتدخين لا يمكن تجاهلها, تشير الاحصاءات الى ان ثلث المدخنين في العالم يحاولون جادين التوقف عن التدخين الا ان من ينجح منهم بالفعل لا يزيد على 20% ويعود 80% منهم للتدخين مرة اخرى ويوماً بعد يوم يتزايد عدد المدخنين ويتزايد استهلاك السجائر,التحذير من اضرار التدخين قديم يرجع الى تاريخ اكتشافه وفي عام 1604م أصدر الملك جيمس الاول ملك انجلترا اول مرسوم في العالم يدين فيه التدخين ويحذر منه، واول تقرير طبي عام 1859م من مستشفى في مونت بليير في فرنسا يؤكد ان 68 مريضا ممن اصيبوا بسرطان في الشفاه او اللسان او اجزاء الفم الاخرى كانوا جميعا من المدخنين ثم بدأت الابحاث تظهر، وفي عام 1954م اثبتت الاحصاءات التي قام بها كل من مجلس البحوث الطبي البريطاني وجمعية السرطان الامريكية كل على حدة ان الوفيات بين المدخنين اكثر بكثير عنها بين غير المدخنين، وتوالت البحوث والدراسات بما لايدع مجالا للشك بعظم اخطار واضرار التدخين، وهذه التحذيرات نجدها حتى على علب التدخين وفي الاعلانات التجارية لها, ويؤكد تقرير منظمة الصحة العالمية WHO الصادر عام 1975م ان الذين يلاقون حتفهم نتيجة الطاعون والكوليرا والجدري والسل والجذام والتيفود والتيفوس مجتمعة في كل عام اقل من المدخنين، واضرار التدخين في العالم تزيد عن خطر الايدز كما تزيد في مخاطرها عن استعمال المخدرات مجتمعة وهذا ما تقرره منظمة الصحة العالمية، ووزارة الصحة الأمريكية والهيئات الطبية الملكية في بريطانيا.
التدخين للمرأة اثناء فترة الحمل قد يتسبب في الاجهاض التلقائي او موت الجنين داخل الرحم، او ولادة طفل دون الوزن الطبيعي، وحتى اذا سلم من ذلك فان نموه الجسمي والعقلي يصبح اقل من نمو طفل المرأة غير المدخنة, سبب عدم شعور كثير من المدخنين بأضرار التدخين ان اضراره لا تظهر بسرعة بل متأخرة ولابد من مرور ربع قرن من الزمان او اكثر لتظهر آثاره الضارة غالبا، وبما ان الانسان لا ينظر للاضرار البعيدة فانه ينسى مضار التبغ ويستمر فيه.
وفي النهاية أتمنى من الله ان يجد مقالي صدى ولو عند واحد من المدخنين فيقلع عنه واجري على الله.
فؤاد أحمد البراهيم
كلية التربية جامعة الملك فيصل