هذا موالي كل صباح افيق عليه, مخيف، كأن زلزالا اصاب الارض,, تفتح باب غرفتي فيحتضن الباب الجدار, مسكين هذا الجدار,, اليوم الذي شكوته همومي اخذ يضمني بالايدي الاربعة ويرى دموعي ويسمع شكواي,.
كل يوم استيقظ بنفس الطريقة,, الصراخ والعويل كنباح الكلاب المسعورة لكني تعودت,, يهتز الباب بعنف , يخرج منه صوت رثاء,, تشدني من شعري,, شعري يكاد يستقر في يديها الخشبيتين,, بعذ صفعات متتالية ارتسمت فوق خدي,, اشتعل وجهي واخذ العرق يتصبب بغزارة وبدأت ركبي بالارتجاف واخذت تجرني كالجارية الى وسط الصالة وهي تهزني من كتفي وراحت تطلق صرخاتي كالرصاصة.
رفعت اصبعها تشير الى الاماكن المتسخة ولعلعت بلسانها:
كل شيء هنا يحتاج الى تنظيف وتلميع وغسيل ولديك ساعة من الآن,, سأعود لأجدك قد انتهيت من كل ذلك، وعادت تهزني مرة ثانية، وكياني المنهك يطيعها، ورأسي المسكين يعتصر بين يديها وصوتها اللعين يرتفع:
هل سمعت ,, هل سمعت,, واخذت ألملم كل ما سقط مني (قلبي روحي رأسي) يدي تهتز وترتعد وعروقي تذوب وشرع رأسي في الدوار.
اكرهك أيها الصباح لأني أرى وجهها فيك، كل غضب الدنيا تغرسه في لحمي المسكين,, حرمانها من الأولاد جعلها تكرهني وكل يوم بعد خروج والدي تسكب بذاءاتها ولا تنسى أمي، أما انا فلا أجد سوى البكاء,, أطوي جسدي في هذه الزاوية الرطبة فهي تعطيني معنى لعمري، بسنواته المرة وهذه الخيبات التي تحبطني وتزيد من أوجاعي,.
اخذت اتنافر واتمرجح,, اعتصر في داخلي,, منكبة على الأرض أواجه الموت ذعرا,, وعلى هامش المكان اختبئ باحثة عن الأمان والاطمئنان الى حضن حتى لو كان جدارا.
بدأت الحرارة تنتابني من أعلى رأسي الى قدمي فتداركت الأمر واخذت انظر الى عقارب الساعة الحاقدة التي تتسارع في خطواتها لتنهي الوقت بعودتها,,, دائما أنت هكذا أيتها الساعة لا تقفي معي عندما اعيش ليلي سعيدة بوحدتي وعندما أريد ان يمر العمر بسرعة تتباطأ خطواتك العرجاء.
حركت جسدي النحيل (ماذا بقي من جسدي) متجهة صوب المطبخ حتى اعرف من اين سأبدأ,, خرجت وستعود,, ما زلت اتأرجح في افكاري, كيف سأنظم البيت (أفكاري هي التي تحتاج لتنظيم) وعادت الآلام مرة ثانية الى جسدي,, ولكن ماذا ستفعل بي سوى إحراق يدي وقص ما تبقى من شعري,, آه,, شعري هل بقيت فيه خصلة,,!
ما يفرحني انها دوما خارج البيت لكن لحظة وجودها اتزعزع,, لا أدرك حواسي وما يجعلني احقد عليها انها ترتدي قناعا مزيفا امام صديقاتها بأنها اجمل امرأة بطيبة قلبها، لا احد يعرفها غيري، أنا التي اتحمل قناعها المزيف,, منعتني من الدراسة حتى اجالسها بعد ان مثلت امام والدي ذات مرة انها مريضة ولا تقوى على المشي او الوقوف في المطبخ فترة طويلة، ووالدي لا يملك الا الموافقة.
آه,,, ما اتعس حياتي معها، فجأة ومن غير انذار سمعت صوتا في الخارج، تساءلت مع نفسي (لعلها عادت)، لا يمكن وانا لم احرك ساكنا,, اختبأت خلف الباب ووقفت مرعوبة محتبسة الانفاس وقلبي بدأ يرقص ويزيد من ضرباته المتلاحقة، وقفت فترة لكني لا اسمع اي صوت,, توهمت وجود شخص آخر معي,, ارتعشت شفتاي,, يا الله اين ذهب الصوت، لعلها تفتش عني لتلقنني درسا حادا اكثر شدة من الدرس السابق,, احتضنت نفسي لكي تزداد قوتي واواجه الموقف الحاسم معها,, مددت رأسي من خلف الباب,, لم اسمع اي صوت,, استرقت النظر مرة ثانية,, اخذت اخطو عدة خطوات متعرجة الى الصالة ما زال مختفيا، لا نفس، لا حركة,, الباب لا يزال مغلقا.
عدت اركض من جديد بحثا عن ملجأ احتمي به من يدها,, عدت الى المطبخ نظرت الى الساعة الحاقدة رأيت العقارب اللعينة وهي متجهة صوبي تصرخ في عنف,, اسرعت لأكسر تلك الساعة الموحشة، في تلك اللحظة شممت رائحة كاز كان يضعه ابي في زاوية من زوايا المنزل فجاءتني الفكرة وما اجملها,,, لا شك انها ستريحني من غضبها.
فأخذته بكل اصرار وجنون وبدأت ارقص به وهو يتصبب في كل مكان (الغرف الصالة زاويتي الرطبة العفنة الممرات الصغيرة المطبخ و,,, أنا آه أنا,,.
كأنها تعرف ما اريد القيام به,, اخفت كل شيء في البيت حتى الطعام إلا هذا الغالون والكبريت,.
وبدأت باحتفالي العظيم اول ثقب اشعلته في الصالة والثاني في الغرف والثالث وضعته اسفل ثوبي الممزق هل كنت بحاجة لكل هذه العيدان؟ وبدأت العزف على أوتار حزني وحرماني من كل شيء جميل.
أميرة المحسن