إن مهرجان الجنادرية كشكل من اشكال التنظيم الثقافي يعد من أبهى وأنقى وأرقى الأشكال بل وأنسبها ابرازاً لحضارة من أعرق الحضارات العربية ويعبر مهرجان الجنادرية عن متغيرات الحياة الاجتماعية وتطورها وتفاعلها مع أشكال وآليات التفكير الاجتماعي والاقتصادي والثقافي السائد في مجتمع المملكة العربية السعودية استيعاباً للأصالة وطرحاً جديداً للمعاصرة فلم يعد أمر الفكر والثقافة لدينا نقلاً فقط بل نقلاً وتفهما واحاطة وتجديداً وتطويراً.
هكذا يعبر مهرجان الجنادرية الذي تقيمه المملكة سنوياً تعبيراً عن الواقع الحضاري والثقافي للدولة باعتبارها دولة اسلامية تنهض فلسفتها السياسية الاسلامية على الثوابت في العقيدة مما كان له أكبر الأثر في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وفق كل ذلك فهي تشكل الحقيقة شكلاً ومضموناً ففي مهرجان الجنادرية نشاهد التحولات التجريبية وهي تمثل احداثاً عظمى في المجال الصناعي والمجال الزراعي, باعتبارها مرتكزات صنع الحضارة فالتقدم الصناعي الذي تحظى به المملكة الآن بقيادة الفهد العظيم خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة قد مكن الدولة من تحويل الأرض والسيطرة على الطبيعة واستثمارها استثماراً رشيداً طويل الأجل.
هذه التطورات والتغيرات في المجال الصناعي والزراعي يعبر عنها مهرجان الجنادرية فكرياً من أجل ان يدرك المواطنون والزائرون طبيعة ما يجري بل وادراك امكانات التحكم فيما يجري على صعيد المملكة.
وفي هذا الصدد يمكننا القول أن التصورات الفكرية التي يعرضها مهرجان الجنادرية ليست صورا أو تصورا لا علاقة له بما يجري في الواقع المعاش ولكنه تصور سلوكي قائم على الحركة للعلاقات الاجتماعية التي تشكل جوهر الدولة الحديثة المدعومة بالتقدم الصناعي والزراعي والعلمي والفكري، والذي ندرك آثاره في مختلف المجالات وخاصة في السلوك الانساني.
ويمكن في الجنادرية مشاهدة هذه التحولات والمتغيرات بما يمكن أن يتجاوز كل ما شهده الانسان عبر تاريخه السابق, وان كنا لا نقدر على حصر كل التحولات والمتغيرات التي حدثت في المملكة خلال حكم آل سعود نظراً لحجمها وعظمها واتساع مساحتها.
غاية الأمر انه تم التحديث والتطوير واحراز درجة عالية من التقدم لا تعدو ان تكون في داخل الاطار المفاهيمي الاسلامي وما ينتج عنه من سلوك وعلاقات واسلوب عمل وتحديد غاية.
وعلى الرغم من أن الثقافة عنصر أساسي من عناصر الحضارة والمدنية وأهمية هذا العنصر ترجع إلى ما تمنحه من شكل حضاري معين يبرزها في سياق الحضارات الأخرى التي ابتكرها الانسان خاصة فيما يتعلق بها من نمط حركي وعلاقات, والفكرة المحورية لحضارتنا هي العقيدة وما تخص عليه من فعل انساني وهذه الحضارة المتميزة لا تعيش في غربة أو انعزالية عن الحضارات الأخرى فهي وريثة لاشكال حضارية سابقة وفي الوقت نفسه تمثل مدخلاً لاشكال حضارية لاحقة، وكل شكل من أشكال هذه الحضارات يمثل تمثيلاً قاطعاً لما يمكن أن يصل إليه الانسان في الخلافة والإعمار , ومن أجل الاعمار في الأرض يتم نقل منجزات حضارية من بيئة لأخرى مع العلم ان المنجز الحضاري اذا نقل لا ينقل باعتباره مجرد كتلة مادية أو انه مجرد سلعة محايدة، ولكنه يخضع لثقافة المجتمع السائدة ومهرجان الجنادرية يرينا ان القروي الآن يتعامل مع وسائل ري حديثة بدلاً من السواني والسائق يتعامل الآن مع سيارة حديثة بدلاً من الهجن والموظف يتعامل الآن من الكمبيوتر كآله لجمع البيانات واستخراج المعلومات,, وهذا يعبر عن النقلة الحضارية والتطور في أسلوب التفكير واستخدام العقل في التأكيد على المركز الحضاري الاسلامي المتفاعل مع الحضارات والثقافات الأخرى, وعلى القاصي والداني الانتباه لهذه الحقيقة.
وهكذا يكون مهرجان الجنادرية تعبيراً عن الهوية أو الذاتية الوطنية التي تستوعب الثقافة السائدة وعناصرها القائمة وعياً بامكانات التفاعل ومناطق التداخل مع الثقافات والأشكال الحضارية الأخرى مع نضوج في المتغيرات المهيئة لذلك وفق ما هو معقول وواقعي ومثمر ومبدع وخلاق.
ولعله يكون المبدأ المتفق عليه في ذلك هو قول الله تبارك وتعالى في سورة الحجرات الآية 13 يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير , والتعارف هنا هو التواصل الحضاري والله أعلم.