بعد اطلاعي على مجموعة كبيرة من قصائد الصالحي، لفتت نظري ميزة فنية من أهم مميزات شعره، تلك هي الصورة النادرة الجميلة في شعر الصالحي، والتي هي سر ابداعه وتفوقه وتميزه في الساحة الشعرية، الصالحي يتناول صوره الشعرية بذائقة رسام ومخرج فني، فتجد فيها الحركة واللون والصوت والحياة معا ونحن الآن امام فيلم يعرض صوراً من انتاج وتصوير الصالحي، يقول في مقطوعة غزلية قصيرة تجمع الحركة والصوت واللون:

كل ما هب الهواء حرك ضميري مثل غصن حرك القمري وغنا نسمة الشرقي تذكرني عشيري الوليف اللي تنحى عن وطنا عود زملوق على حال الغديري كل ما هب الهواء معه يتثنى يوم هب العصر نسناس العبيري وفاحت ارياح الزهر منا ومنا فيه من وصف الزهر شيء كثيري شكله ولونه وريحه يوم خنا

وقال يذكر الشيب في صورة عجيبة:

الشيب عقب يلوح ما ينتخفي مثل النياق الوضح وسط المجاهيم لو يصبغون الشيب ما ينتطفي يبين مثل الشمس لا فاته الغيم

وهذه صورة رائعة لسيارة تحمل رسالة من الشاعر إلى احد أصدقائه:

يا راكب اللي ساع جابوه مفكوك اخر موديل مواصفاته بديعه اللون الاخصر ناسبه لون مشروك يشبه حزوم طريف حزت ربيعه ليا فز مثل اللي برجله وطى الشوك مع غفلته حافي وطى له نقيعه

وقال في احدى نصائحه لابنه عادل وقد صور له الزمن:

للوقت اصابع مثل روس الاخلة تارد على قلبك وتقطن على ادماه العمر مكره والليالي تهله وليا انتهى ما ينفع المال والجاه العمر فيَّ تلحق الشمس ظله لابد من وقت تجيه وتمثناه

وقال يصور أحد أيام الربيع:

لاهب في ريح الفياض الرحيبه وهز النسيم ازهاره يسار ويمين فيه ام سالم كل صوت تجيبه تشهر طرب ثم اصفطت بالجناحين

إلى أن يقول:

والسيل يدرج وانتسمع صبيبه يطربك صوته لانحصر بين جالين وصوت الرعد تعكس صداه الهضيبه صوت وصدى يرتد بالجو صوتين

وقال في معرض مدحه لعزم بعض الرجال:

في حزة الشدة تبين الرجاجيل لازمك يكشف طيبها من رداها مثل الصباح ليا فهق مشلح الليل والشمس زاحت ظلمته في سناها

وقال في صورة من بيئته الصحراوية:

يامل قلب هواجيسه يلوفنه لوف الهبايب لزملوق على جالي عنه المذاري بعيد ولا يذرنه تلعبه الريح بين اقفاي واقبالي

وانظر إليه متغزلا كيف يجسد مشاعره:

ما ابغاك تقتل غلاك بسيف هجرانك وناري بجوفي عن العذال شايلها ذكراك نار توقد دون نسيناك فرقاك كبريتها والشوق يشعلها

وقال يصور هدة الطير واصطياده:

لياشافهن يازين شوق الطلاقه وادلى على خطو السبوق وصفقها يوم انتكس جيعان عقب اصطفاقه رمانة الخسرب المكوبر شلقها

وقال وقد مر على مرابع صباه وهي قصيدة طويلة رائعة منها:

جيت المكان اللي لنا فيه مجلاس واكثر مواريه الزمن قد طمسها قعدت فيه وقمت واوميت بالراس وطالعت لين الروح طول عمسها بعض الصخور من البطا كنه اقواس اللي رفعها السيل واللي غطسها باني على بعض الحجر مثل الاطعاس وسط الثراء صلف الهبايب رمسها هاك المنازل كلها اليوم دراس اللي دفنها الريح واللي كنسها ماكنها الامن على وقت جاس لو شاف تربتها الجلوجي درسها

وقال مصوراً تلاحم وتكاتف شعوب ودول الخليج العربي:

اهل الخليج بيوتهم ستة ابيوت من وين ماراح الخليجي وجد بيت ستة دول ملبوس حكامها ابشوت رمز الاصالة قمة المجد والصيت توحدوا بالدين والدم والصوت ونفس الاسامي تشتبه كان ناديت

كما ابدع الصالحي في تجسيد الامور المعنوية وجعلها محسوسة كما في قوله:

الصدق نور يخترق كل الاسباب يعبر ظلام الشك باللي مشى فيه والكذب سهم يطلقه كل كذاب يُرمى على الصادق ويرجع لراعيه والعلم نجم فوق راعيه جذاب وليا جهل بعض البشر راح ناصيه والحلم موج تلتطم فيه الاعصاب يمتصل بركان الغضب لين يطفيه ومن الصور الرائعة أيضا قوله: حياتنا شجرة لها عروق واغصون نجلب عطشها وانتحاسد ثمرها

وقوله:

ينوض برق غريب بغيمة احساسي يسري على بارقه فكري وهاجوسي

هذه نماذج ومقتطفات من بعض قصائد الشاعر المبدع بحق عبدالرحمن بن حمدان الصالحي عرضتها امام المتلقي وآثرت ألا اشرحها ليتسنى للمتلقي تذوقها كيف شاء.
كما لا أنسى ان أذكر ان الصور الفنية في الشعر كالزهرة إذا اخذتها من مكانها بين الزهور ذهب رونقها وجمالها وذبلت وأقول هذا اعتذارا من شاعرنا عبدالرحمن الصالحي.