عزيزتي الجزيرة
في مقالة سابقة تحدثت عن بعض العوامل المسهمة في تربية الطفل تربية سليمة، ووعدت بأن أعرض في مقالة ثانية الى شيء من الأخطاء التي يقع فيها المربون رغم ان لها أثرا سيئا في نفس الطفل وسلوكه,.
ولكي أفي بما وعدت به حاولت حصر الاخطاء التربوية التي لاحظتها بعدة نقاط ارجو التوفيق في عرضها بين يدي القارىء الكريم,, وهي كما يلي:
1 إهمال غرس المبادىء الدينية في نفس الطفل بحجة صغر سنه وعدم ادراكه، وهذا خطأ فادح يقع فيه المربي، لأن نفس الطفل الصغير أكثر قابلية لما يزرع فيها من مبادىء وقيم,, قال ابن خلدون في المقدمة : التعليم في الصغر أشد رسوخا، وهو أصل لما بعده ,, لذلك يجب تعليم الطفل مبادىء دينه منذ سنواته الأولى:
وينشأ ناشىء الفتيان فينا على ما كان عوّده أبوه وما دان الفتى بحجىً ولكن يعوِّده التدين أقربوه |
2 عدم اتفاق الوالدين على منهج محدد في تربية الطفل، فنجد الأب مثلا يعلم طفله قيمة من القيم فتعارضه الأم برأي مخالف أمام الطفل! أو قد يضرب الطفل أمه فتظهر غضبها منه بينما الأب يضحك له ويشجعه! فتكون نتيجة ذلك تذبذب شخصية الطفل وازدواجية في مفاهيمه، مما ينتج عنه عدم تمييزه بين الخطأ والصواب، فيصدق عليه المثل القائل من كثرة الملاحين غرقت السفينة !!
3 اتباع سياسة التسلط والصرامة والقسوة في تربية الطفل، وغالبا ما يظن منتهجو هذه السياسة انها التربية المثلى التي تعد الطفل ليكون رجلا قويا بينما العكس هو الصحيح!! ذلك ان سلب شخصية الطفل ومسخها تماما وحرمانه من حقه في التعبير عن رأيه وفي اختيار ما يرغب به او يميل إليه من شأنه أن يشعر الطفل بالنقص ويفقده الثقة بنفسه فينطوي على اثر ذلك عن الحياة الاجتماعية ويميل الى العدوانية للتعبير عن رفضه لوضعه ومعاملته الصارمة، وللتعبير عن عدم رضاه عن شخصيته الضعيفة المهزوزة!!
وتظل تلك الآثار ملازمة للطفل حتى بعدما يكبر ويبلغ مرحلة النضج والرجولة في صورة قلق دائم وخوف من المستقبل وعدم قدرة على مواجهة مشكلات الحياة.
4 معاملة الطفل كالبالغ، فتفسر كل سلوكياته الخاطئة على انها عصيان علني سافر فيلام تبعا لذلك لوما عنيفا وربما يعاقب، وكأن له من الخبرات مثل ما للكبار، ويجدر بالمربي ان يتغاضى عن أخطاء الطفل اليسيرة وان يفرق بين الخطأ غير المتعمد والخطأ المقصود، فيذكّر نفسه كلما همَّ بتعنيفه انه ليس سوى طفل صغير ذي خبرات محدودة وتجارب قليلة,, فيحلم عليه ويصفح عنه ولا يغضب ف:
ليست الأحلام في حال الرضا إنما الأحلام في حال الغضب! |
يقول ابن مسكويه في تهذيب الأخلاق : إنك إن عوّدت الطفل على التوبيخ الدائم والمكاشفة فإنك تحمله على الوقاحة فيهون عليه سماع الملامة ! وهو ما نعبِّر عنه بالعامية بقولنا استملس جلده ومات إحساسه !!
5 عدم إشباع حاجات الطفل النفسية والعاطفية بحرمانه من الشعور بما يكنّه المربون له من مشاعر الحب والحنان الدافئة، أو بتعبير آخر عدم ادراك المربين لمدى أهمية ترجمة المشاعر الداخلية الى سلوكيات من شأنها إشعار الطفل بالطمأنينة والأمان,وتعد الابتسامة والبشاشة في وجه الطفل وملاطفته من وسائل التعبير عن حبه والرغبة فيه، فضلا عن وسائل التعبير الاساسية وهي اللمسة الحانية او التربيت عليه والقبلة والضمة وسائر التعبيرات اللفظية المؤدية الى بلوغ ذلك الهدف المراد,ومعروف ان للقبلة والضمة دورا كبيرا في تحريك مشاعر الطفل وعاطفته وهما السنّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الأطفال، روى البخاري في الأدب المفرد عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء اعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتقبِّلون صبيانكم، فما نقبِّلهم فقال النبي : أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة .
ومما يروى عنه انه صلى الله عليه وسلم كان يُجلس أسامة بن زيد على فخذه ويُقعد الحسن على فخذه الاخرى ثم يضمهما ويقول : اللهم ارحمهما فإني أرحمهما .
إن التعبير للطفل عن حبه هام جدا لنموه النمو الطبيعي من النواحي النفسية والعاطفية بل العقلية ايضا، ولوقايته كذلك من القلق والاحباط والصراع والعقد,, ولأهمية دور القبلة والمعانقة فقد صنّف البخاري رحمه الله بابا في كتاب الأدب سماه: باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته .
6 إهانة الطفل والنيل من كرامته وتحقير شأنه أو السخرية من عيوبه الجسدية والعقلية وتشبيهه بمخلوقات الله الأدنى، ولعلّ القراء مازالوا يتذكرون تلك المعاناة التي سطرها أحدهم في صفحة مشكلة تحيرني قبل مدة، إذ كان محجما عن الزواج بسبب كبر حجم رأسه!! كما ذكر فيما ذكر ان لقب أو بالأحرى معيارة أبو راس كانت تلاحقه منذ الطفولة!!
لاحظ أخي القارىء، ان صاحب المشكلة رجل بالغ على وشك الزواج، بينما معاناته لم تكن وليدة لحظة عابرة، بل نتاج اساليب تربوية خاطئة تجرعها في سنوات طفولته فكانت كفيلة بزعزعة ثقته بنفسه واشعاره بالنقص والدونية اللذين ظلا ملازمين له حتى بعدما كبر وبلغ مرحلة الشباب.
7 الاكثار من الأوامر والزواجر المباشرة اذهب ,, قم,, كل ,, اشرب,, لا تذهب,, لا تشرب,, لا تلعب .
ولاشك ان اتباع ذلك الاسلوب المباشر وتكراره دائما سيجعل الطفل يسأم فيتعمد العصيان او تجاهل ما سمع، وبدلا من أن نتعجب او نظهر انزعاجنا من سلوك الطفل تجاه أوامرنا المباشرة علينا ان نلطف اسلوبنا بتحويله الى اسلوب عرض رقيق لكنه يفي بالغرض ويحقق لنا الطلب، فبدلا من أن نأمر الطفل بحل واجبه المدرسي مثلا بقولنا: اذهب الآن وقم بحل واجبك! يمكن ان نضعه أمام خيارين، كأن نقول له: عليك ان تختار: هل تريد حل واجبك قبل العشاء ام بعده؟!
وجدوى هذه الطريقة كامنة في كون الطفل يقبل على عمل ما نطلب منه طائعا راغبا، لأنه لا يشعر بأنه مجبر أو مكره عليه، بل انه اختاره بمحض ارادته ولم يفرض عليه فرضا!!
8 تكرار التهديد بالعقاب دون ايقاعه، وهذا من أكثر الأخطاء التربوية الشائعة، فكثيرا ما تهدد الأم بحرمان الطفل مما يريد أو,, أو,, دون ان يقترن ذلك بتنفيذ، فيفقد الطفل حساسيته نحو التهديد، ويفقد العقاب قيمته في تقويم سلوك الطفل.
9 إعطاء الطفل حجة او عذرا جاهزا للإحجام عن تنفيذ ما نطلب منه! كما في العبارات الآتية: قم افتح الباب أو أنت تعبان ما تقوى تروح؟! شغّل المكيف او ما تطول؟! اجمع ألعابك او ما لك خلق؟!,إن الطفل بلا أدنى تردد سيحتج بالحجة التي ذكرها الآمر ذاتها ليتهرب من تنفيذ الطلب، وليس اللوم على الطفل بالطبع بل على المربي الذي لم يحسن التعامل مع عقلية الطفل الذكية!!
10 إظهار الأم عجزها عن السيطرة على الطفل، كأن تقول على مسمع منه: تعبت من هالولد، وما عاد أقدر عليه او ان تهدده بوالده مظهرة اخفاقها في ضبط سلوكه متجردة من أي سلطة وقدرة عليه كأن تقول له: هيِّن بس اصبر يجي أبوك وأنا أعلمه عليك .
ان الطفل عندما يسمع مثل هذه العبارات يشعر بالفخر لقدرته على التحدي والإزعاج، ويتمادى في ذلك، لأنه يشعر أنه يثبت وجوده بمثل هذه الطريقة،
وفي هذا الصدد أذكر قصة طفل في التاسعة من عمره كان يلازم أباه في كل تنقلاته بشكل لافت للنظر، فصادفني يوم سألته فيه عن سبب مرافقته الدائمة لأبيه وكأنه غترته او عقاله! فأجاب بفخر بلهجة فارس يحكي عن بطولاته وعنترياته: أصلي دايم أنكّد على أمي وأحوس عليها البيت وأضرب اخواني، فتقول لأبوي لا تروح إلا وأنت آخذ هالعلة معك، فكّني منه الله يخليك ترى ما اقدر عليه !! علشان كذا أبوي يأخذني معه وين ما راح!!
11 عدم تفهم الدوافع التي جعلت الطفل يسلك سلوكياته الخاطئة، ولذلك أهمية بالغة في تعديل تلك السلوكيات، قال الامام ابن القيم رحمه الله : وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد، رأيت عامته من قِبَل الآباء ,, وهذه حقيقة واقعية، فلو تأمل المربي في دوافع سلوك طفله لبدأ بلوم نفسه على الغالب قبل لوم الطفل او معاقبته! فضرب الطفل لأخيه الصغير غالبا ما يكون بدافع الغيرة التي أوقدها المربي نفسه في دخيلة طفله عندما صرف جُلَّ اهتمامه ودلاله على الطفل الرضيع وتناسى الطفل الأكبر,.
وكذلك مشكلة التبول الليلي كثيرا ما تكون ردة فعل او انعكاسا لتسلط الوالدين أو احدهما على الطفل المترسب في الشعور او اللاشعور، فيعاقبهما او ينتقم منهما بذلك السلوك.
12 الايحاء السلبي للطفل، فكثيرا ما نسمع بعض الامهات يُلقِّنَّ أولادهن السلوكيات الخاطئة من دون قصد، كأن تقول احداهن على مسمع من طفلها انه سيىء الخلق وانه يكسر اثاث المنزل ويضرب اخوانه! فما يكون منه إلا أن يقوم ويترجم ما قالته فعليا!!
دعيت مع أهلي مرة لوليمة أقامها قريب لنا، وما إن انتظم عقد المدعوات في صالة الجلوس ذات التحف الراقية الثمينة حتى دخلت احدى النساء برفقة ثلاثة من أطفالها فقالت مخاطبة صاحبة الدعوة على مسمع من أطفالها: أوه,, ماليين مكتبتكم تحف! أنتم ما تعرفون عيالي؟! الحين يكسرونهن لكم !! وهو ما كان للأسف الشديد، حتى تم تدارك ما سلم من أيدي أولادها هداهم الله وهداها .
لم تكتف صاحبتنا بما حدث بل زادت بجهلها الطين بلَّة حين دخل أطفالها وقد ملؤوا أيديهم وجيوبهم بالتراب فما كان منها الا أن قالت: تكفون يا عيالي لا تكبونه على الحريم !! ولك قارئي الكريم أن تخمِّن النتيجة!!
هذا عن الايحاء السلبي للطفل، فماذا عن الايحاء الايجابي وكيف يكون؟!
الاجابة تكمن في عكس ما سبق تماما,, فاذا ما قلت لطفلك انه ولد سيىء او غير مطيع او غبي لا يفهم,, فإنه سوف يقبل هذه الأوصاف كأنها صورة حقيقية عن نفسه، وسوف يعمل في حدود هذا الوصف الذي أسبغته عليه! وبالعكس تماما إن قلت له إنه ولد طيب ومثالي ومهذب وخلوق ويحترم الكبار ولا يؤذي الصغار فإن هذه الأوصاف تعطيه الايحاء الايجابي المناسب!!
جربت هذه النظرية مع ابنة أخي ذات الخمسة اعوام عندما رأيتها تهمُّ بقلب صالة الجلوس رأسا على عقب لكي تحوِّلها الى بيوت وأكواخ، فما كان مني الا أن قلت مخاطبة من حولي متعمدة إسماعها: ما شاء الله على فلانة,, تراها دايم ترتب الصالة,, وما عمري شفت أحسن من ترتيبها,, شوفوا الحين وش بتطلع الصالة إذا خلّصت !!وفعلا أدى الايحاء النفسي دوره في حملها على الترتيب بدلا من اللعب والعبث وبعثرة أرائك الجلسة!!
عزيزتي الجزيرة:
هذا ما لديَّ عن الأخطاء الشائعة في تربية الأطفال، ويبقى أن أشير الى ضرورة الدعاء المستمر للذرية بالهداية والصلاح كما جاء على لسان امرأة عمران أم مريم عليهما السلام : وإني أعيذها بك وذريّتها من الشيطان الرجيم ، كما جاء على لسان زكريا عليه السلام: ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء .
إشارة حمراء: إلى الأمهات المسلمات
ربي وليدك وفق الدين ربيه فالدين من سفه الإلحان يحميه يا أخت أنتِ رعاكِ الله عدتنا لخلق جيلٍ قوي غير مشبوه فلقّني طفلك الاسلام فهو له كالمنهل العذب ما ينفكُّ يرويه وسلّحيه بما في الدين من أدبٍ ومن محجّته البيضاء فاسقيه وعلّميه التقى ان التقى سند يقيه من كل أمر سوف يؤذيه ونشيئه على هدي الكتاب ومن آياته الغُرِّ يا أختاه غذّيه وزوّديه بأخلاقٍ محصنة من الضلالة والإفساد تنجيه |
ليلى بنت محمد المقبل
بريدة