العولمة والحيرة د, مسعد العطوي |
إن ظلال العولمة التي تمتمد على المعمورة اوقعت المفكرين في حيرة من جوانب ايجابياتها وسلبياتها، وما تطويه من غيبيات مستقبلة بل بما ندركه من مكوناتها الفكرية الاقتصادية، والفكرية الإنسانية، وما تتسارع به من متغيرات مذهلة، فهل تتعانق الأمم لتكون إنموذجاً كأسراب الطيور التي تنحو الى مهجر واحد، أم اننا كالطيور المهاجرة الى مواطن الهلاك عبر رحلة لا ارادية, إننا في فضاء هذه الحيرة ينبغي ان نتأمل أنفسنا في عوامل الإضاءة عبر هذه الدروب المعتمة,, ونحن في جزيرتنا لنا ضياء وهاج من التوجيه الرباني لا سيما الأمور التوقيفية فلو اخذنا بها بوعي وتأمل، واستنباط لما يحدث من الحوادث لكان في ذلك هدى الى الصراط المستقيم، يستوي في ذلك مسيرة الأمة والمجتمع والفرد، ولكن ينقصنا الاستنباط الواعي، واكتشاف هذا الاستنباط في الزمان المناسب، ونحن نشترك مع البشرية في العقل والتأمل، فهل نخضع الموجة العارمة الاقتصادية للعقلانية، ونتبصر في مجالاتها ومؤثراتها، ونتائجها ونصافح ما فيها من خير للإنسان والوطن على كافة المسارات التي تواكب الهجمة الاقتصادية العالمية من التعامل مع الشركات المتعددة الجنسية ومن الإعلام العاصف بالعقول البشرية الموظف توظيفا ماديا بحتا وعلينا ان نتأمل او نبحث أين إنسانية الإنسان في هذه العولمة من جوانب حريته في تدينه، وحريته في بناء اقتصاده، وحريته في انتقاء أوجه حياته، وما يلحق بالفرد يلحق بالجماعة، فهل العولمة تمنح الإنسان والشعوب الحرية الحقة الدينية والعقلانية ام انها تمسخ الإنسان،و تجعله يسير وراء القطيع,, بلا إرادة.
وهل الشعوب تحتفظ بقوة دولها ومن ثم تماسك اوطانها، ام أنها خاصية لشعوب دون اخرى، ام ان الشعوب كلّها تسخر لهيمنة رجال الاقتصاد ويعبث بهم المال كيف يشاء، فهم عبيد الدرهم والمال.
ام تعود مرحلة الاقطاع القديمة التي لا تحترم إنسانية الإنسان فيكون العمال كقطعان الماشية لا تنظيم يعنى بهم، وتبدأ عناية الدول العالمية الاجتماعية بالإنسان بالتلاشي والانحسار، لأن المال ينتقل بتصريف من شريحة محجوبة عن المجتمعات.
انه يجب على المجتمعات ان تكون لها دعائمها التي تتكئ عليها في مواجهة تسطيح العقل، والتعدي على إنسانية الإنسان، والانسان قادر على التعامل معها إذا احتفظ بمقوماته الفكرية، وشحذ عقله مستنبطا وملائما ومنسقا وعاملا وموظفا الايجابيات، وجاعلا الحواجز للسلبيات وقبل هذا يجب علينا نحن البشرية ان ننمي عقولنا التنمية القادرة على فرز الاضاءات الخيرية من النزغات الشيطانية وما أصعب ذلك واشده لكثرة المتشابهات واختلاف التأويلات وقوة الوقع، وتضليل الاعلام كما قال بعض المنظرين اذن انشودة الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية انشودة ملغومة فالعولمة تتضاءل فيها الحرية أليس فيها هيمنة اقتصادية اجبارية، أليس فيها هيمنة لمبادئ سلوكية لا ترتضي بها الديانات ولا الشعوب، ولا العقلانية ولا الإنسانية، ان الحريات المبتغاة في نظر العولمة هي ما تمت الى مصالح النخبة من الاقتصاديين والمنظرين الذين اسسوها وواكبوها، وهم في ضلال الفكر يعمهون، وفي سبل المال والاقتصاد يبدعون، حتى علماء دينهم وعقلاؤهم يعلنون الرفض، فالكنيسة تعلن تذمرها من سلوكيات العولمة بل تعارض أخلاقها.
والمفكرون يصدرون فكرهم الفلسفي، وابحاثهم ويستشرفون المستقبل المدلهم، ويحذرون منه، ويكشفون عن السوءات التي أخذت تتعرى للعيان.
انني في نظرتي المحدودة أرى ان وظيفة التوجيه الرباني تعلو مكانتها، وتنفجر إضاءتها لتشع المعابر امام البشرية لو حمل الاقتصاد اعلامها بقوة الإعلام المضاد فبالمقارنة والمفارقة، تتكشف الحقائق.
والعقل العربي مسؤول عن تكوينه الذهني الذي يؤهل الى التصفية والتنقية ولا يكون ذلك إلا بالاعتماد على التوجيه الرباني اولا ثم بتنميته بالمنهجية، والمعرفة والوعي، والقدرة على التمحيص والفحص واختيار الحل الاسلم مع تشابه الحلول، وما أكثر المشتبهات؟!
ومهمة تربية العقل وتنميته ومنهجيته مهمة وطنية شاملة فهي من وظائف الاسرة اولا ثم المدرسة ثم تصعد الى المجتمع فالدولة بمؤسساتها التربوية والإعلامية والعملية وهذا التصميم يدركه القاصي والداني.
لكن الذي يستوجب علينا تمحيصه هو المنهج لكل شريحة من هذه الشرائح، فنطرح الفكر الأسري، والفكر التربوي المدرسي، والفكر الاجتماعي التربوي وكذلك الاعلامي والتوجيه الوطني, لتتلاحم المنظومة التربية وتحمي الأمة من ان توسم بصفة الاستهلاك الدائم اقتصاديا، وسلوكيا، وتُمسخ عقليا، وتذوب وطنيا.
وباستصلاح الإنسان تكون لديه الممانعة الواعية ويرفض التبعية ويستقبل النافع ويروضه، ويواكب العمل الابداعي سائر الانشطة البشرية الفاعلة من الاعمال اليومية والمهنية والعمالة الماهرة، الى ايجاد ميادين البحث العلمي بسخاء مع مراعاة انسانية الانسان وكشف جوانبها العملية.
|
|
|