اذا استثنينا اسئلة كثيرة يثيرها ماطرحته، وافترضنا جدلا، أن هناك مهنة تسمى ناقد تتجه فعالياتها نحو الموضوع النقدي وليكن الابداع ,, فإننا لن نستثني بعض الملاحظات الهامة ومنها أن النقد فعل اجتماعي يترسخ من خلال الممارسة والوعي والحوار الهادف واحترام الرأي الآخر، وأنه يطال كل مناحي الحياة ويرتبط بالمعرفة فلانقد بدون معرفة,, فهل ترسخت هذه القيم لدينا؟
ولانني هنا لست بمعرض التعريف والتوضيح، والالتفاف على المحور الذي طُرح فإنني لن اتعرض لتعريف النقد وماهية الناقد، ولكن اركز على اهمية النقد وانه ليس امام المثقف الحقيقي سوى تنمية ثقافته بوعي نقدي لابتراكم القراءات والاتكاء على المنجز الجاهز.
ويقودني ذلك إلى سؤالك الاول عن التراجع النقدي الواضح في الساحة الثقافية بالرغم من كثرة الأسماء الإبداعية المتواجدة واجيب متسائلاً: ألم يطرح كل مبدع من هؤلاء نفسه كناقد؟ إذاً ماذا تقصد بالتراجع؟
أعتقد أن ما يطرح في ملاحقنا الثقافية من التنظيرات والقراءات والدراسات النقدية (بصرف النظر عن مستواها) يفوق مايطرح من اعمال ابداعية (راجع ملاحق: الرياض، الجزيرة، البلاد، الاربعاء وغيرها) القضية ليست تراجعاً ولكنها فاعلية!! ويكون السؤال هنا عن فاعلية النقد، فالمشهد النقدي منذ القدم وحتى الآن يشير كمياً إلى قلة عدد النقاد قياساً بالمبدعين, والفاعلية لاترتبط بالكم ولكن بالقيمة والاثر والحراك الثقافي والاجتماعي.
إنني لا اريد ان اتعرض في إجابتي للعديد من السلبيات والممارسات التي تطرح تحت مسمى نقد، كما لا أريد أن اتعرض لبعض ردّات الفعل ممن يفرضون أنفسهم على الساحة كمبدعين ويحملون الكتاب في يد والخنجر المسموم في اليد الأخرى، وشخصياً عانيت من بعضهم.
ونحن إذا تقصينا الاسباب التي تريدها، فسوف نفتح ابواباً عديدة ونثير قضايا كثيرة، ترتبط بالواقع الفكري والثقافي والاجتماعي,, وغيرها, ولكن يمكننا القول: ان النقد شكل من اشكال الابداع وكما قال (باث) في عصرنا يؤسس للنقد الادبي، وبقدر مايتشكل هذا الاخير باعتباره هو الكلمة والعلم، وباعتباره سؤالاً بصدد ذاته، وباعتباره عالماً من الكلمات، وباعتباره كوناً لفظياً, الابداع نقد والنقد ابداع.
فدعنا بعيداً عن كل ذلك نعود الى المقدمة التي طرحتها كمدخل لاسئلتك ونتفق معك في أهمية النقد كجزء اصيل من دعائم الحركة الثقافية ولكنا نختلف معك في حيادية الناقد إلا إذا كنت تقصد عدالته فكما انه ليس هناك ابداع محايد ليس هناك ايضا نقد محايد وكل ناقد لديه صورة مجازية فارقة او عدد من الصور يرى من خلالها عملية النقد وهذه الصور كما يقول ستانلي هايمن تشكل عمله وتنبىء عنه وإذا استعرضنا صورة الناقد عند البعض نجد أنه: جراح، ومسمد، ومولد، وماثل، وصبور، ومبدع فاشل, الى غير ذلك وكلها ترى الناقد من منظورها الخاص (منظور المبدع).
ولنتفق على أن النقد ليس وحده المتردي ولكن الواقع الثقافي كله بمافيه الإبداع الذي هو موضوع النقد,, وعلينا أن نناقش القضية من جذورها وهذا ليس عمل الناقد وحده ولكنه مسؤولية جماعية تقع على عاتق الجميع.