الشعر / الرواية نهار جديد عبدالله سعد اللحيدان |
يقول البعض، ان الرواية أصبحت ديوان العرب ، وسابقا، كان الشعر ديوانهم، فهل يجب ان يكون للعرب ديوان واحد؟، وان كان هذا البعض يرى ذلك، فهل هذا الديوان ضيق إلى درجة انه لا يكاد يتسع إلا لنوع واحدٍ، اما الشعر وإما الرواية؟
خلال نصف قرن، تقدمت الرواية العربية كثيرا، وحققت انجازات مهمة، وتبوأت مكانة متقدمة بين الانواع الادبية، ولكن، هل تراجع الشعر، في نفس الفترة، وبنفس القوة، حتى يُقال ان الرواية قد سلبته مكانته في الذائقة العربية، وان المستقبل هو مستقبل الرواية، وان الشعر بدأ يتراجع إلى مكان الرواية سابقا، والتي لم يكن لها وجود يذكر منذ نصف قرن؟
الذي ألاحظه، ان المحاور كلها تدور حول الشعر، ولو تأملنا قليلا فيما يسود المشهد الثقافي منذ العصور القديمة، وحتى هذه الساعة، لوجدنا ان الشعر طرف رئيس في اي حوار او جدلية او مساجلة أو منافسة او صراع، ليس اليوم,, ولا عندنا فقط، بل في كل مكان وزمان، وليس في المشهد الثقافي الأدبي فقط، بل في العلوم والفلسفة والتاريخ والاجتماع,, وغيرها.
خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ماذا حقق الشعر، وماذا حققت بقية الانواع الادبية؟
خلال هذه الفترة، واصل الشعر العربي حضوره وتألقه، في الثقافة والحياة، وتطور بشكل مذهل، وتجدد بشكل بهر بقية الانواع التي حاولت وتحاول التماهي معه والاستفادة من تقنياته التي تطوّر وتجدّد وتحدث نفسها باستمرار، ومع كل قصيدة جديدة.
الشعر ، الفن الذي نتعلم منه كيف نغير ونستبدل ونطور، وكيف نثير الاسئلة حول القواعد والمنطق والوعي، في كل زمان ومكان، متفرداً متخلصا من العادات الثابتة، في شكله ومضمونه، لا عالما ولا مؤرخا ولا صانعا للثقافة، بل ملهما لاولئك، بابداعاته ورؤاه المستقبلية، وهو يجترح جزئيا، الامساك بالخيوط الرئيسية في لعبة الكتابة والابداع: المعرفة والتقاليد والتجريب، الحدس والخيال والمنطق، الاضافة، الابتكار الاصيل، الحضور المتوتر المليء المتألق، الرؤية الانسانية المتجردة من ظروف الزمان والمكان المحدودة، والمنفتحة، على كل انسان، وفي كل زمان ومكان، والمتحرر من كل قاعدة او قيد او نمط سابق، وصاحب المخيلة التي لا حدود لها والتي لا ترتبط ولا ترهن نفسها لعلم او فلسفة او ايدلوجيا.
خلال نصف قرن، حقق الشعر العربي انجازات، على مستوى الشكل والمضمون، فاقت جميع ما تحقق خلال خمسة عشر قرناً أو أكثر، وحقق شعراؤه الكبار انجازات كبيرة، كما وكيفاً، مما يجعل انجازنا الشعري المتحقق، في هذه الفترة، يُضاهي الانجاز العالمي في نفس الفترة، وان كان الاعتراف بالعرب شعرياً,,، وفي نفس الفترة، وربما، مازال,,، يخضع لاعتبارات ايدلوجية وسياسية لا علاقة لمستوى المنجز الثقافي والادبي والفني بها.
الرواية، أدب المدينة المعاصرة، والاكثر قدرة على الرؤية إلى الماضي وإلى الحاضر,, وعلى حشد الازمنة والامكنة والاحداث والتفاصيل، وكل ما يخطر وما لا يخطر على بال الكاتب ، لم تكن الانجازات فيه خلال النصف الاول من القرن العشرين تتعدى محاولات بعض المحاولين العرب، تقليد الرواية الغربية، وفي العقود الثلاثة الاولى من النصف الثاني من القرن العشرين نجح بعضهم وفشل البعض الآخر، ولم يتحقق منجز فني كما وكيفاً إلى درجة تؤهلنا للمباهاة، منذ عقدين من الزمن تقريباً ومنذ حصول احد الرواة العرب على جائزة نوبل التفت الكثيرون إلى الرواية، واشتعل فتيل الساحة، وأطلقت رصاصة البدء لفرسانها الذين دخلوا في سباقات غير متكافئة، وربما,, عسف بعضهم السيرة الذاتية والاعترافات.
ومع ذلك، مازال هناك نقاد وروائيون يصرحون بأنهم لم يلحقوا بركب الرواية الغربية، الجديدة/ الحديثة حتى الآن، وان الطريق مازال في اوله، وما تزال كثير من البلاد العربية تفتقر تماما الى منجز روائي يتلاءم مع فترة ثقافية عمرها نصف قرن,, نصف قرن قد يكون الاكثر خصباً وانفتاحاً حتى الآن في تاريخ الثقافة العربية.
|
|
|