وتظلُّ الحياة رائعة د, فهد حمد المغلوث |
على الرغم مما يواجهنا في الحياة من احباطات متتالية وما يصيبنا منها من انكسارات متوالية وما نأخذه منها من تعب جسمي ونفسي وقلق وتجاهل، وعلى الرغم مما نشعره بالغبن أحياناً في أمور كثيرة، وما نحس به من غربة حتى ونحن بين أهلنا نتيجة اشياء معينة بسيطة نريدها ونتمناها ولا نحصل عليها، ورغم كل ذلك، تظل الحياة رائعة وجميلة، وتستحق أن نلتفت إليها قليلاً ونعطيها جزءاً من وقتنا بشكل يشعرنا أننا موجودون في هذه الحياة ولنا دور مهم نلعبه فيها، ألا وهو أن نعرف حقيقة وجودنا في هذه الحياة وما يمكن أن نقدمه لسعادتنا في الدنيا والآخرة.
نعم تظل الحياة رائعة، روعة أولئك الذين يضفون عليها لمسة جمالية خاصة قلما تجدها في كل مكان ومع أي شخص، أولئك الذين يضفون عليها نكهة مميزة قلما تحتويها النكهات الأخرى.
تظل الحياة رائعة، روعة أولئك الذين يثقون بنا فيدفعوننا للأمل والعطاء والوفاء والتسامح وحب الخير وزرع الثقة في قلوب الآخرين، ويجبروننا بصدقهم وعفويتهم وبسماحتهم على أن نعيد النظر في حياتنا وعلى أن نغير مفاهيم خاطئة أو مبالغ فيها عن الحياة أو بعض الأشخاص ونحن دون أن نشعر أو نفكر طويلاً نقتنع بهم لأننا نشعر اننا وجدنا انفسنا فيهم بعد طول عناد وبحث أو دخلوا قلوبنا دون مقدمات أو رسميات أو مجاملات.
تظل الحياة رائعة، روعة ذلك الاحساس الغريب والمريح الذي يجبرنا على أن نختلي بأنفسنا بعيداً عن أعين الناس وأعين من حولنا ممن هم قريبون منا، من أجل أن نذرف دموعنا الغالية لنجعلها تنهمر على وجناتنا فنشعر بدفء مائها، ولنطلق آهاتنا الحرّى إلى أقصى مدى وصدى يمكن أن نرتاح إليه، وحينها نخرج من مخبئنا وقد أصبحنا شخصاً آخر، ألا يحدث هذا معك أحياناً؟!
تظل الحياة رائعة، حينما نعرف اننا لسنا لوحدنا في هذا العالم المخيف الذي يريد أن يبتلعك بكل قيمنا السامية ومبادئنا الثابتة، بل هناك من هو أمامنا يدلنا على دروب الخير، ومن هو بجانبنا ليشعرنا بالأمان بعد الله، ومن هو خلفنا يحرسنا من كل شر بإذن الله.
أليس ذلك جميلاً؟!
تظل الحياة رائعة، روعة تلك الحقائق الجميلة التي نعرفها عن أنفسنا من خلال ذلك الانسان الذي يفاتحنا بها ويؤكدها لنا ويشعرنا أن ما فينا من مميزات جميلة وخصال رائعة انما هي حقيقة واقعة لمسها بنفسه وليست مجاملة شخصية لغرض معين في نفسه.
تظل الحياة رائعة، روعة تلك اللحظات المتوترة التي تنتظر فيها المفاجآت الحلوة التي تنتظرها من انسان تكن له معزة خاصة ومكانة مميزة وتحمل له كل الحب والخير، مما يرفع من معنوياتنا ويزيد من ثقتنا بأنفسنا.
بل وتظل هذه الحياة أروع، حينما نشعر اننا طوال هذه السنين الفائتة من عمرنا ورغم الصداقات العديدة التي مررنا بها مع أشخاص كثيرين لم يفهمنا أحد في حين ان انساناً واحداً فقط ومن تجربة واحدة فقط ولوقت قصير فقط أثبت انه يعرفنا منذ سنين طويلة بل ويتحدث باسمنا! ألا تشعر حينها باحساس مختلف.
وتظل الحياة رائعة، روعة أولئك الذين يبثون ابتساماتهم الصافية في كل مكان يذهبون إليه ومع كل شخص يقابلونه أو يتحدثون إليه, لتصبح تلك الابتسامات الأخاذة واحة غناء ملؤها الحب والسعادة بل بروعة أولئك الذين يبحثون عنا ليعتذروا عن اشياء لا تستحق الاعتذار، ولكنها النفس الحلوة التي تحس بالآخرين وتقدر عطاءاتهم مهما كانت بسيطة.
تظل الحياة رائعة، روعة تلك اللحظات التي تجعلنا نبكي لفرحتنا باحساسنا ان هناك من يحس بنا حتى وهو بعيد عنا، ان هناك من يسمع أصواتنا وآهاتنا رغم ما بيننا وبينه من مسافات جغرافية ومساحات مكانية، من يشاهدنا ويلاحظ تعبيراتنا وكأنه يسكن معنا تحت سقف واحد.
تظل الحياة رائعة طالما كانت قلوبنا تنبض بالحب الصادق، وطالما كانت معلقة بمن استطاع ان يستحوذ على كل شيء فينا، بمن استطاع ان يستحوذ على جميع مشاعرنا واحاسيسنا بل حتى بمن غادرنا رغماً عنه وترك مكانه شاغراً لم يملأه أحد غيره بعد!
وتظل تلك الحياة رائعة، روعة تلك الذكريات الجميلة الحية التي مازلنا نحتفظ بها في قلوبنا وفي ذاكرتنا، تلك الذكريات الحلوة التي لا تفتأ تمر أمام أعيننا فتوقظ مشاعرنا الكامنة من سباتها العميق وتستثير دموعنا، وكأنها شريط سينمائي حي بكل أحداثه ومواقفه، تلك الذكريات الحلوة مهما كانت قريبة لا يتجاوز عمرها أياماً أو ساعات تقودنا ودون أن نشعر بأن نبحث عن ذلك الانسان ان نسأل عنه مرة أخرى كي يخبئ لنا تلك اللحظات الجميلة معه وكي نتأكد بأنفسنا أننا أمام حقيقة واقعة وليس خيالاً مجنحاً، وما لم نجده في حينه، في وقت حاجتنا إليه نحزن كثيراً وربما قلنا لانفسنا: يا خسارة! ما اتعس حظنا !
انها حياة رائعة بالفعل، ولكن تظل الحياة رائعة أكثر وأكثر حينما نشعر مجرد شعور اننا نؤدي حق الله علينا وحق والدينا وحق من هم تحت ولايتنا أو وصايتنا وكل من له حق أو معروف علينا.
وحينما يتحقق كل ذلك، حينما تتكرر تلك المواقف الحلوة والذكريات الجميلة، فحينئذ، تظل الحياة بحق فيحاء جميلة لا تضاهيها فيحاء أقرب! فالحدائق الكثيرة في كل مكان ولاشك، ولكن هل ما هو موجود في تلك الحدائق يأخذ بالألباب ويريح النفس ويأسر القلوب؟
ان هناك حدائق لا تملك من الحدائق سوى اسمها ولا من الورود سوى صورها، أما حقيقتها فخالية من المشاعر والاحاسيس باهته، بعيدة عن الناحية الجمالية، ولا تشعر بوجودها حتى وانت فيها!
ان هناك حدائق كثيرة ولاشك ولكن هل كلها تجبرك على أن تعود إليها فتجلس معها لتحدثها حديث القلب والروح؟!
هل كلها تجعلك تفتح لها باباً قليلاً لتدخل منه متى شئت؟ لتتربع فيه وتشعر كما لو أنت في بيتك؟!
ان هناك حدائق كبيرة ولاشك، اما فيحاؤك أنت فذات شأن آخر! إنها ليست محاطة بالورود والزهور فحسب، ولكنها محاطة بالعطر والأريج، تفوح منها رائحتها الزكية لتعطر كل من يزورها، ولتهديه جزءاً من عبيرها عند مغادرته لها، كي يحمل معه ذكرى جميلة عنها لأنها الذوق كله!
والأهم من ذلك، كي يعود إليها من جديد أكثر اشتياقاً لها ولهفة عليها، كي يتزود منها بكل الحب، بكل العواطف الجياشة وبكل الاحاسيس النبيلة التي يحتاج إليها كل انسان.
الروعة يا إخوان ليست اسماً نردده أو شكلاً نشاهده ونرتاح إليه فحسب بل احساس عميق نشعر به فيسكن قلوبنا، احساس لا نملك سوى ان نتعلق به، نحنُّ إليه نريد أن نعيش معه، احساس يهذب مشاعرنا يُحسسنا بقيمة وجمال من حولنا حتى لو كان جماداً! كل هذه الاحاسيس الجميلة لاننا بدأنا نفكر بشكل آخر.
والحقيقة ان كل منا بحاجة لأن ينمي بداخله الحس الجمالي الموجود من حوله في كل مكان بداية بطريقة تفكيره في الأمور وأسلوب تعامله من الغير ونظرته لكل شيء أوجده الله له في هذه الحياة لأن لكل شيء في هذا الوجود معنى وهدفاً عميقاً لا يدركه سوى الخالق سبحانه وتعالى.
وكونك تقرأ الآن، فأنت رائع، لأنك تريد أن تفهم، تريد أن تعيش لحظات جميلة، تريد أن تطبق على نفسك كل شيء جميل سمعته أو شاهدته، ولكن الأهم من ذلك، ألا تكون تلك المشاعر واللحظات آنية، تنتهي بزوال المناسبة، بل ان تستمر معك، وان تظل اسلوب حياة وحينما تكون كذلك سوف تستشعر روعة الحياة.
أسعد الله أيامنا بالإيمان وأراح قلوبنا بطاعة الرحمن.
همسة
هكذا نحنُ,.
ومنذ أن تعارفنا,.
إنسان واحد,.
رغم اختلاف أسمائنا,.
جسد واحد,.
رغم تباعد أماكننا,.
***
هكذا نحن,.
ومنذ أن تقاربنا,.
روح واحدة,.
لا تعرف انقسام,.
حياة واحدة,.
لا ترضى بانفصام,.
***
يجمعنا حبّنا لبعضنا,.
احساسنا ببعضنا,.
خوفنا على بعضنا,.
تفهُّمنا لمشاعرنا,.
تقديرنا لظروفنا,.
واجتماعنا على الخير,.
فماذا أكثر؟!
***
أليست الحياة جميلة بنا؟
أم هي من يجعلنا رائعين؟
وما الفرق يا ترى؟
إن كانت الحياة نحن,.
أم نحن الحياة؟
ألسنا توأمي روح؟
***
ما الفرق بيننا؟
طالما أن كلاً منا,.
لا يكتمل سوى بالآخر!
وان كنت أشعر,.
أنني أكثر حظاً منك بك,.
أكثر سعادة بك!
|
|
|