Thursday 27th January, 2000 G No. 9982جريدة الجزيرة الخميس 20 ,شوال 1420 العدد 9982



العولمة,, محاولة للفهم والمواجهة!
علي حسين شبكشي

العولمة globalization مصطلح سياسي بقدر ما هو اقتصادي,, اخذ يطرق ابواب الفكر السياسي,, والاقتصادي العالمي منذ نهاية الحرب الباردة,, فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ,, وبداية هيمنة القطب الواحد,, كان لابد من نحت مصطلح جديد للتعبير عن مرحلة جديدة من تاريخ العالم بعد انهيار الحرب الباردة التي بدأت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية 1939 1945 وظلت مصطلحا صالحا للاستخدام حتى استنفد اغراضه بزوال اسبابه ودواعيه.
ويخطئ من يظن ان العولمة هي مجرد حرية التجارة,, او الخصخصة,, او تحرير السوق,, فالعولمة تذهب الى ابعد من هذا بكثير,, انها تعني اكثر,, حرية الانتاج!!
لقد كان نمط الانتاج الرأسمالي يقتصر على دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والاستيراد والتصدير مع بقاء دائرة الانتاج في دول المركز الاصلي وحدها,, والعولمة هي وصول نمط الانتاج الرأسمالي الى الدول النامية برأسمال من دول المركز وتشغيل الايدي العاملة الرخيصة لحساب الشركات عابرة القارات في الدول النامية وبهذا تضرب الشركات الكبرى العملاقة اكثر من عصفور بحجر,, فهي تحصل على الايدي العاملة الرخيصة من ناحية,, وتصدر التلوث الناشئ عن التصنيع الى الدول المنتجة,, وتوفر سلعة النقل,, وتقضي على الصناعات الوطنية التي لا تستطيع المنافسة أمام هذه الكيانات الضخمة الجبارة,, ويتبع النفوذ الاقتصادي بالطبع النفوذ السياسي.
ان العولمة هي الوصول الى العمق بعد ان وصلت الى حد الاشباع بانتشارها الى اقصى حدود التوسع الافقي.
لقد استنفد النظام الرأسمالي قوته في مزيد من البيع والشراء حتى اشتغل السفراء والوزراء والرؤساء كمندوبي مبيعات للشركات الكبرى، واصبح نجاح اي سفير او وزير او رئيس هو مدى قدرته على فتح اسواق لسلع المركز في امريكا واوروبا واليابان ولم يعد هناك حل الا بايجاد نقلة نوعية في نمط النشاط الرأسمالي العالمي فكانت العولمة بحيث تصبح عمليات الإنتاج وإعادة الإنتاج جزءا من الاقتصاد الوطني في الدول النامية او دول الاطراف على ان تبقى الملكية لدول المركز.
ولنضرب مثالا بأن تقوم شركة امريكية عملاقة مثل مايكروسوفت او جنرال الكتريك بإنشاء مصانع لها في مصر والمغرب ,, ان انتاج هذه المصانع في الدولتين سيمنع قيام اي صناعة وطنية منافسة كما يعطي الشركة المنتجة احتكارا تفرض فيها الشركة العملاقة شروطها السعرية,, ولا تستطيع اي من الدولتين الامتناع عن التصريح لهذه المصانع بالتواجد على اراضيهما,, فهذه الشركات لن تخاطب السلطة الوطنية في هاتين الدولتين ولكن تخاطب المنظمة العالمية التي تستطيع ان تفرض في ظل العولمة العقوبات المناسبة على هاتين الدولتين اللتين خالفتا قوانين حرية الإنتاج والتجارة.
الموضوع إذاً يتجاوز مجرد حرية التجارة والخصخصة وتحرير السوق اذ يضرب في عمق مجتمعات الدول النامية ليعيد صياغتها سياسيا واقتصاديا بما يناسب النظام العالمي الجديد الذي يتحكم فيه الاقتصاد وبالتالي السياسة.
والعولمة إذاً تعني بالنسبة لمركز الثقل الاقتصادي امريكا والدول الغربية عموما واليابان ,, انتقال رأس المال المركزي من الاستثمار الكلاسيكي في المرافئ والمناجم والبترول والمواصلات والعقارات والمواد الاولية والمواد الخام وانواع معينة من المنتجات الزراعية والتجارية الى الاستثمار في الصناعة وغيرها من المجالات الانتاجية المباشرة وفق ما تحتاجه الدول الغنية وشركاتها عابرة القارات من تنظيمات وتوابع ولواحق ومؤسسات مالية ومصرفية ودعائية واتصالاتية وخدماتية وهلم جرا.
منذ أيام شاهدت على قناة الB.B.C في برنامج مناقشة حادة او عنيفة Hard Talk وكان طرف النقاش المذيع الجبار تيم سباستيان ، والزعيم الهندي سوامي انجلفيش وتطرق الحوار الى العولمة، وموقف الزعيم الهندي منها وكان تيم كعادته عنيفا ومهاجما وهو يسأل في حدة الهندي الهادئ: كيف تقف انت واتباعك ضد العولمة التي ستضخ في شرايين المجتمع الهندي الاموال,, وتوفر فرص العمل وانتم شعب فقير في حاجة الى تشغيل عمالكم وتطوير انتاجكم؟
ورد سوامي : انك تنظر تحت قدميك يا سيدي,, ان هذا الذي تتحدث عنه يعني ان تظل الهند تابعة لسيادة رأس المال الاجنبي,, وان نظل عمالا تتحكم فينا هذه الشركات الى الابد.
قال تيم بحدة: أليس هذا افضل من ان تأخذوا المعونات ثم تضيع على ايدي الفساد الحكومي والإدارة المتخلفة.
قال سوامي بحكمة الهندي: ان الفساد لن يستمر الى الابد ولكن التبعية ستستمر.
ومضى الحوار عنيفا بين تيم الانجليزي ممثل الرأسمال المركزي والناطق باسمه وبين الهندي الفقير دون ان يتمكن احد الطرفين من اقناع الآخر برأيه او فكره.
ونحن العرب في موقف يشبه موقف سوامي الهندي والسؤال الذي لابد من طرقه الآن,, ماذا نفعل وقطار العولمة يمضي قدما على محطاتنا دولة بعد اخرى؟
انني لا اقترح حلولا,, ولكني افكر معكم,, هل تستطيع التكتلات العربية ان تقف في طريق العولمة السريع او على الاقل تملك القدرة على محاورته بدلا من ان يدهمنا بلا حوار.
ان منظمة الوحدة الاقتصادية العربية التابعة لجامعة الدول العربية مطالبة بالاجابة على هذه الاسئلة بما يقنعنا اننا من نقف في العراء في انتظار الزلزال او قطار العولمة السريع واضعين في الاعتبار ان هناك من يرى ان العولمة ليست شرا كلها,, وهؤلاء يقولون ان العولمة سوف تنقل نمط الانتاج الرأسمالي المتقدم الى الدول النامية مما يعني نقل التكنولوجيا الى هذه الدول,, وبما يعني تدريب عمالة ماهرة بل قيادات يمكن ان تسهم في صناعة مستقبل البلاد.
كما ان وسائل الانتاج هذه لم تأت في شكل ماكينات وكمبيوترات فقط، ولكنها ستأتي معها بأنماط ثقافية وقيمية تنتشل شعوب الدول النامية من الانماط الثقافية والقيمية المتخلفة التي تعيش فيها,.
لقد فهم فقراء امريكا وعمالها وطلبتها ان مؤتمر سياتل انما هو خطوة عالمية نحو مزيد من الغنى للاغنياء ومزيد من الفقر للفقراء,, واستطاع بضعة آلاف منهم ان يوقفوا عمل المؤتمر وافشاله قبل الحصول على توقيعات الدول النامية مما يعني ان قوى الرفض للعولمة ليست في دول العالم الثالث فقط، ولكنها في قلب الدولة الراعية للعولمة.
بل ان بعض المحللين مثل فريد برجشتاين مدير معهد الاقتصاديات الدولية يشير الى ان فشل مؤتمر سياتل لا يمثل انحدارا للنفوذ الامريكي بقدر ما يمثل التغيير الذي اصبحت الدول النامية بمقتضاه ثالث قوة تحدد سياسة منظمة التجارة العالمية مع الولايات المتحدة الامريكية واوروبا واليابان .
ان فشل مؤتمر سياتل الذي حضرته 130 دولة في الوصول الى قرارات او حتى الوصول الى مقر المؤتمر يعني ان دول المركز لا تستطيع ان تفرض شروطها الا بموافقة الدول النامية والقوى الاقتصادية الاقليمية في مختلف دول العالم الثالث.
والسؤال,, هل تستطيع التكتلات الاقتصادية العربية ان تدخل الى ساحة المعركة لكي تحصل على الشروط الافضل في حوارها مع دول المركز او دول العولمة؟
انني اتمنى ان ندير حوارا موسعا حول العولمة تشترك فيه جميع القوى السياسية والاقتصادية والفكرية في العالم العربي,, لعلنا بهذا نستطيع ان نحصل على مقاعد مريحة في قطار العولمة السريع.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.