علينا أن نعترف بداية بأن جيلنا هو جيل البساطة والعفوية نظراً لهيمنة التسامح والطيبة على تلك المرحلة من الحياة, فاللهاث انما كان وراء المثل والأخلاق الرفيعة ومحاولة النهل من امكانيات العصر العلمية او استنباط وسائل بديلة عملية حتى تلبي احتياجات الانسان في ذلك الحين, لذا فقد كان يتردد شعار الحاجة ام الاختراع وهذا دليل بأن الاختراع وارد على الاذهان لولا ان امكانيات تحقيقه تقف امامها وسائل الانتاج, بعكس الوقت الراهن الذي تهيء وسائل الانتاج المتقدمة بان تجعل منها رؤية مستقبلية في طريق التسخير والاستنباط والتلاحم اذ ان التجربة هنا متاحة لمن لديهم هوايات معينة حرفية أو صناعية بالأحرى.
ففي كل قرية كان هناك شبه مخترعين يستطيعون اصلاح الآلات مثل مكائن الخياطة وصنع السكاكين وتصليح مكائن الماء (الماطورات) والاقفال والمفاتيح والساعات وغيرها من الصناعات التي تسربت الى القرى عن طريق المسافرين من القرية الى المدينة لا سيما التي لا غنى عنها مثل الساعات بانواعها والاقفال والمفاتيح والأدوات المنزلية قبل تواجد الثلاجات والمبردات كالقدور ودلال القهوة وأباريق الشاي والصواني وحتى الملاعق والسكاكين هذه الادوات الضرورية لحياة الانسان تواجدت بالجلب ثم صنعت محلياً بالتفكير والمحاكاة والمحاكاة هنا تعني استنباط البديل.
مثل هذه الامور على بساطتها كانت من الصعوبة بمكان لانتقاء ادواتها الأولية, فكان الفخار يقوم مكان النحاس وكذلك الرخام لبعض الوقت.
فالذهن متفتح ولكن الامكانيات هي العقبة, وهذا هو الفرق بين جيل اليوم والأجيال الماضية بلا اتهام فلست انوي التعريض بالابناء لأن هذا العصر باختراعاته ومنتوجاته العلمية شتت الأذهان وافقدها التركيز لا لفقدان العناصر الأولية انما للوسائل الرياضية التي تعتمد عليها مثل الفيزياء وهذه تدرس لدينا بصورة سطحية مع الاسف ولايوجد الكثير من الذين يفهمون في تعميق هذا العلم وطريقة التركيز في شرح ابعاده, والطالب لايستوعبه او يهضمه انما يحفظه دون تحليل او تمثل لمفرداته, وهنا الكارثة في مناهجنا التعليمية وفقدان المبرزين في مثل هذه العلوم الضرورية بالاضافة الى ان المنزل لم يعد ذلك الداعم للنهج العلمي اثناء التحصيل لانه ليس في مستوى المرحلة لتواضع تعليمه إلا ماندر.
والدارس لم يعد ينتظر ذلك الترحيب والاستقبال عند تخرجه بل انه يتصور الابواب مقفلة في وجهه ويطرح السؤال تلو الآخر على نفسه وعلى من حوله ماذا سأفعل بعد التخرج هل سوف اجد فرصة لتكوين مستقبلي ام سيكون مصيري مثل العشرات والمئات غيري؟ اجوب المكاتب واعود صفر اليدين بالجواب التقليدي نأسف.
فيا وزارة الخدمة المدنية التي تتحملين مسئولية الأجيال اعملي المستحيل وخوضي المعارك مع واضعي المناهج التعليمية اجعلي لك حضوراً في الجامعات والمعاهد وحتى الدراسة في المراحل الثانوية, لا انكر صعوبة تواجدك في كافة تلك المرافق, انما ليكن لمندوبك كلمة فاعلة مثل مندوب وزارة المالية الممثل المالي فلا تجازالوظائف والترقيات الا بتوقيع مندوبك الذي ينبغي ان يكون على دراية كبيرة ولا تقل مرتبته عن الدكتوراة بمرتبة الشرف اي في مستوى الوزير علمياً ومكانة, والا سنبقى ندور في الحلقة المفرغة حتى الالفية القادمة لا سمح الله.
ابراهيم الناصر الحميدان