عاش العالم الأيام الأخيرة من عام 1999م حالة فزع وترقب وخوف مما قد يحصل في استهلال الألفية الثالثة من جراء مشكلة عام 2000 وقد تباينت الآراء حول ما يمكن أن يحصل مع تحول التاريخ في نهاية يوم 31/12/1999م وبداية 1/1/2000م فمن تلك الآراء ما كان متشائماً حيث تنبأ البعض بأن يكون هناك فوضى عالمية ومن ذلك فوضى في التحكم بالترسانة النووية على الرغم من تصريح المسؤولين في الدول المالكة للقوة النووية بأن لا خوف من مشكلة الحاسوب المعروفة بمشكلة الصفرين على التحكم بالصواريخ النووية. وفي الطرف المضاد كانت آراء بأن كل هذا التخوف من هذه المشكلة لا مبرر له وأنه لن تحدث أي مشاكل بسبب هذه المشكلة.وبين هذين الرأيين تأتي آراء كثيرة بعضها يميل إلى التشاؤم والبعض الآخر يميل إلى التفاؤل. والآن بعد ما مر الأمر بسلام ولله الحمد دعونا نتساءل هل كان لكل هذا الخوف من هذه المشكلة ما يبرره؟ أم إنها كانت مجرد زوبعة في فنجان؟. بعد أن انقشعت الغمة واتضح الأمر أصبحنا نرى بعض الأقلام غير المتخصصة تتحدث عن هذه المشكلة وعن وجوب محاسبة المتسبب فيها اذ كلف علاجها أكثر من 300 بليون دولار وفي رواية أخرى أكثر من نصف ترليون دولار هذا غير الخسائر المتوقعة من جرائها. بعض الناس ومنهم بعض الكتاب يرى إن كل هذا كان مجرد لعبة من الأمريكان لكي يضطر العالم لتغيير أجهزته الحاسوبية وأنظمته المعلوماتية القديمة مما يكون للأمريكان نصيب الأسد من عوائد ذلك. ولمحاولة معرفة ما جرى دعونا نبدأ من البداية بالنسبة للمشكلة فقد أصبح الحديث عنها وعن سببها مملاً مما كُتب وقيل عنها ولكن باختصار شديد، كان السبب وراء اختصار حقل التاريخ في برمجة الحاسوب من 8 خانات إلى 6 خانات لتكون السنة خانتين بدل أربع خانات هو صغر حجم الذاكرة وغلاء ثمنها مما اضطر المصنعين والمبرمجين إلى هذا الاختصار ليس في التاريخ فحسب بل في جميع الحقول التي يمكن اختصارها. وقد نبه الخبراء عن هذا الخلل منذ البدء وجريدة الجزيرة نشرت تقريرا مفصلاً عن هذا قبل اكثر من 6 أشهر في القرية الإليكترونية وبذلك كان لهذا الاختصار ما يبرره وقد كانت الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي أكثر دول العالم اهتماماً بهذه المشكلة فالشعب الأمريكي كان محتاطاً لما يمكن أن يقع بسبب هذه المشكلة حتى أننا قرأنا إن بعض الأمريكان احتاطوا بوسائل العيش البدائية تحسبا لما قد يحدث في بداية الألفية الثالثة. ونعود الآن للإجابة عن: هل كان كل هذا مجرد زوبعة في فنجان؟. السواد الأعظم من الناس يرى ذلك وقد أصبحنا نسمع من الكثيرين التندر وكيف إن المختصين في الحاسوب وتقنية المعلومات أقاموا الدنيا وأقعدوها بسبب هذه المشكلة وفي النهاية تمخض الجبل فولد فاراً. الجواب على ذلك نعم قد يكون الإعلام ضخم هذه المشكلة، وقد تكون النظرة التشاؤمية بحدوث فوضى نووية وفوضى في وسائل النقل والمواصلات وتعطل المطارات ومحطات القطارات وشلل الخدمات العامة، قد يكون كل هذا هو ما ترسخ في أذهان الناس وعندما لم يحدث شيء من هذا ولم تحصل الكوارث فذلك يعني أن لا وجود للمشكلة وهذا ليس صحيحاً, والجواب لو لم يكن هناك مشكلة ما كان العالم صرف كل هذه البلايين لعلاجها، هذا شيء، والشيء الأخر: من قال أنه لم يحدث ولن يحدث أضرار بسبب هذه المشكلة. لقد حدثت مشاكل وسوف تحدث مشاكل كثيرة في الأيام القادمة ولكن على مستوى المؤسسات ولن يحس بها عامة الناس ولن يحس بها إلا من يتأثر بها، فعندما يلغي الحاسوب موعد أو حجز عمرو بسبب عدم توافقية التاريخ فإن عمرو سيدرك إن هناك مشكلة، كذلك عندما يحسب الحاسوب عمر زيد ويعطي قراءة خاطئة بسبب عدم توافقية التاريخ ويوصف له علاج بناءاً على تلك القراءة الخاطئة وينتج عن ذلك إضرار فلا شك إن زيداً إن كان لا يزال على قيد الحياة لن يعجبه ذلك وسيدرك إن هناك مشكلة. هذه مجرد أمثلة بسيطة على ما يمكن أن يقع لو لم تحل هذه المشكلة. وللإيضاح فإن البرامج الحاسوبية تنقسم إلى قسمين القسم الأول، البرامج التشغيلية وهذه البرامج قليلاً ما يكون لصاحب الحاسوب يد في تغييرها ولا بد من ضمان توافقيتها من قبل المصنعين أو استبدالها وفي حال الإخلال بذلك فإن احتمال عدم عمل هذه الأجهزة وارد وإن عملت فستعطي قراءات خاطئة للتاريخ وأي برامج تطبيقية تعتمد على تاريخ الجهاز سوف تعطي نتائج خاطئة. النوع الثاني من البرامج هو البرامج التطبيقية وهذه البرامج هي الأكثر عرضة للتأثر بالمشكلة إلا أن في استطاعة مالكيها تعديلها وكثير من المؤسسات قد بدأت منذ وقت مبكر في العمل على تعديل تلك البرامج واختبارها، ثم إن أي خلل في هذه البرامج لا يمنع الحاسوب من العمل ومن المؤكد أن كثيراً من الأخطاء في هذه البرامج سوف يظهر في الأيام القادمة بسبب عدم توافقية التاريخ وسوف تعدل من قبل المبرمجين. النقطة المراد إيصالها إن المشكلة موجودة وليس من الضروري أن تحدث كوارث لندرك أن هناك مشكلة.
mmshahri*scs.org.sa