* انقسام الذات وانشطار النفس وانحلال الجرح بين العقل الواعي واللاواعي وتلك الحدود النفسية التي تفصل بين ذاتك المدركة وذاتك الخافية، كل هذا كان ومازال الشاغل الاول للفنانين والادباء في اوائل القرن العشرين خاصة في فترة الحداثة والتي شغلت بالانسان المعاصر وازمته الحقيقة والتي تكمن في ذاته المنقسمة المتعبة تلك الذات اللاهثة وراء ماديات زائفة ومظاهر خادعة فرضتها الحضارة والمدنية بكل قسوة وصلف فكان ان سقط الانسان المعاصر في دائرة مغلقة من الوحدة والعزلة الانسانية وصار الفرد يعيش في جزر منفصلة على الرغم من وجوده بين اهله وفي احضان وطنه فالغربة هي غربة الذات والاغتراب هو البعد عن النفس.
وكثير من الكتاب العالميين والمحليين شغلتهم تلك القضية ذات البعد النفسي والمدلول الاجتماعي امثال جراهام جرين في بريطانيا و نجيب محفوظ في مصر حيث كتب الاول روايته الشهيرة الآخر بداخلي وهي تنويعة على تيمة انقسام الذات اما نجيب محفوظ فانه تناول ذات المغزى في الشحاذ حيث البطل يهرب من واقعه المرير ويسقط في بئر الاحلام ثم النسيان رافضا حياته الفارغة املا في غد افضل وسلام نفسي يتصالح فيه مع روحه وتناغم من خلاله افكاره ومبادئه وفي فيلم العذاب امرأة المأخوذ عن مسرحية سترينج بيرج الاب نجد محمود ياسين يتعرض لما يسمى في علم النفس النسيان الهستيري او النسيان الانشقاقي حيث يرفض العالم من حوله ويتقوقع داخل ذاته الجريحة لان عقله اللاواعي لم يحتمل الصدمات التي اصابته,.
وفي مسلسل الرجل الآخر لمجدي صابر والمخرج مجدي ابو عميرة نجد نور الشريف او مختار بيه يسقط فريسة لهذا المرض النفسي حين اختار دون وعي ان يخلع رداءه ويترك اسرته وعمله ويتخلص من كل ادران الماضي وآثامه وشروره ويبدأ رحلة للبحث عن الذات والتصالح مع النفس بعيدا عن كل المنغصات والهفوات الاجتماعية والعملية التي جعلته ينقسم وينشطر الى رجلين,.
الفكرة اكثر من رائعة لانها تحمل بين طياتها معنى الوجود الانساني في هذا العالم المستوحش والمستأسد بقيمه الجديدة ولانها ايضا تمس بكل الصدق مشاعر الانسان المعاصر وصراعه الداخلي بين الانصياع التام لمتطلبات العصر او الرضوخ لمعاييره او التمسك بالفضائل والقيم الدينية، الموضوع فلسفي نفسي اجتماعي والدراما ذات نكهة خاصة تعمد على التشويق والاثارة لكل من الشخوص والجمهور فكلاهما في رحلة بحث عن الحقيقة الغائبة.
نور الشريف فنان وممثل مدرك بكل وعي لدوره الفني وطبيعة الشخصيات التي يؤديها ويغرق حتى النخاع في تفاصيلها تجعلنا نسقط المسافة بين الممثل والشخصية ، ماجدة زكي نضجت بكل المستويات واصابت الهدف حين تنوعت في ادائها بين ادوار الكوميديا الفارس والتراجيديا ودورها يؤكد على قدراتها التي امتعتنا بها في الحرافيش .
اخراج مجدي ابو عميرة كلاسيكي وان كان اهتمامه بالتفاصيل مؤثرا ولكن ليس هناك دور للاضاءة او حتى الموسيقى التصويرية والتي كان من الممكن ان تضيف ابعادا تأثيرية للابعاد النفسية خاصة في مراحل المونولوج الداخلي لنور الشريف وحواراته مع الآخر بداخله,, ميرفت امين تؤدي الشخصية بتحفظ وجمود, جمال اسماعيل قدير ومتمكن وان كان الدور مكررا، مها ابو عوف تتطور فنيا,, عزة بهاء قديرة في ادائها وانفعالاتها,, المسلسل دراميا وجماهيريا يستحق الثناء والاشادة,.
مالك ناصر درار