انطلقت في الرياض عاصمة الثقافة العربية فعاليات اللقاء التربوي الاول لمعالي وزير المعارف الدكتور محمد بن احمد الرشيد بالمتميزين من مديري المدارس ومشرفي الادارة المدرسية في ادارات التعليم بمختلف المناطق والمحافظات وذلك من الاثنين حتى اليوم الاربعاء 17 19/10/1420ه لمدة ثلاثة ايام.
وتأتي اهمية هذا اللقاء الضخم من حيث طبيعته ومناسبته والمشاركين فيه واهدافه العظيمة، والتي يمكن استجلاؤها وعرضها بين يدي القراء الكرام بإيجاز فيما يلي:
1 ان هذا اللقاء جاء في ظل كوكبة الانجازات الوطنية العظيمة التي سعدنا بها هذا العام بدءاً من احتفائنا بمئوية التأسيس لهذا الكيان العظيم على يد الفارس العظيم حتى احتفائنا باختيار عاصمة المملكة عاصمة للثقافة العربية,, الذي افتتح فعالياته صاحب السمو الملكي الامير الملهم سلمان بن عبدالعزيز في حفل بهيج مليء بالبرامج والفعاليات الثقافية والتي تنطلق لعام كامل في كل ارجاء المملكة.
ولا غرو فان لقاء القائمين على الادارة المدرسية بمعالي الوزير في الرياض ليجسد العلاقة المتلاحمة بين الثقافة والتعليم، لأن التعليم معتمد على الملامح الاساسية للثقافة في بلادنا التي هي مستمدة منهجها من الاسلام ديناً وسلوكاً ومن المواطنة الحقة انتماءً وحباً وتوحيداً, ولا شك أن المدرسة تستلهم رسالتها من هذه الثقافة، وتعمل على صقل عقول ابنائها وترسيخ اطرها في نفسياتهم مما يجعلهم قادرين على التعامل مع عالمية الثقافة وخصوصيتها، ولهذا فالتعليم يتعامل مع الثقافة اخذاً وعطاءً، فهي الثروة التي يفيد منها التعليم لصالح الانسانية، لان الثقافة الواسعة المتعمقة المتفاعلة كالشمس يستمد منها التعليم ضياءه وتوهجه وتجدده.
وحين يفد الجميع من مسؤولي الادارة المدرسية من كل أنحاء المملكة الى الرياض التي انطلق منها التوحيد فانهم يردون بذلك مورداً عذباً يتدارسون ملحمة المعجزة وسر اكسير المجد وعظم الرسالة ثم ينطلقون عائدين الى مواقع المسؤولية في مدارسهم يواصلون رسالة التوحيد والوحدة سائرين جميعاً في منهجهم على قلب رجل واحد اذ يسري نبض الرياض في كل جزء من هذا الوطن العزيز.
2 يأتي هذا اللقاء مع بداية ولوجنا قرناً جديدا وألفية ثالثة، يحمل هذا الزمن الجديد في طياته تحديات كبيرة وامورا متجددة لابد ان نستشرفها ونقرأ المستقبل على ضوء معطيات الحاضر وتجارب الماضي، متزودين من أمسنا ويومنا لغدنا بحيث يجب ان تمتلك المدرسة ممثلة في ادارتها اجهزة للانذار المبكر لكل المتغيرات قبل حدوثها حتى تمتلك زمام المبادرة وتكون مؤثرة لا متأثرة، سبّاقة الى ايجاد حصن قوي لأبنائنا لتوجد في شخصياتهم اجهزة المناعة والتحدي والتحسب لكل طارىء في تعامل ذكي راق متوازن يرقى بشخصية الانسان من التلقي الى التكامل، وأن تغير مفهوم رسالة ادارة المدرسة من التلقين السلبي الى الوعي والمبادرة والايمان.
واننا يجب ان نستلهم من خلال كل أوقاتنا ومناسباتنا وقفات لمراجعة الانجازات واعادة فحص الذات لتحقيق التقويم المتجه نحو التطوير والنضج وان أولى الامور بالمراجعة انظمة التعليم وأساليب تطبيق مناهجه التربوية التي تهدف اليها سياستنا التعليمية ولهذا يمكن ان نطلق على هذا القرن الجديد عصر الادارة .
3 ان هذا اللقاء يأتي مع ما يقارب ثلاثمائة من قادة الميدان وهم مسؤولو الادارة المدرسية وهم يمثلون ما يقارب ثلاثمائة الف معلم منهم 14 الف معلم في وزارة المعارف ومثلهم ما يزيد عنهم في جهات تعليمية رديفة ومساندة والجميع يعملون على تحقيق كل تطلعاتنا واهدافنا المشتركة الى واقع ممارس، منهم حراس التربية وأمناؤها الذين يشكلون عقول اولادنا ونفسياتهم، وهم مصدر رعاية وتوجيه ومتابعة للمعلمين ولهذا فلقاء الوزير بهم لانهم يمثلون المتميزين من جميع انحاء المملكة، إيماناً بدورهم في صياغة تطلعات الامة وآمالها لتصبح واقعاً مشهوداً وان تفهم مشكلات ميدان الادارة المدرسية وتذليلها ومعرفة احتياجاتهم وتليتها ليوجد توجهاً فكرياً نحو تجديد حقيقي يزيد من جذوة الخير ويضاعف نمير العطاء.
وان زيادة الاهتمام بتطوير الادارة المدرسية ومنسوبيها لا يغفل الاهتمام بمنظومة التطوير في الجوانب التربوية الاخرى بل لأنها هي التي تعمل على تسخير الجهود والامكانات وتسد جوانب القصور وتعمل على تحويله الى جانب من جوانب التميز الذي نطلبه.
4 ان نواتج هذا اللقاء ذات عائد اجتماعي يعود بالنفع على ابناء المجتمع كله لانه يهدف الى تحسين الخدمة المقدمة لهم مواتياً تحقيق تطلعات اهليهم وأمتهم، فالادارة المدرسية الواعية قادرة على ايجاد تعليم متميز يتفوق على امثاله من انظمة التعليم في الدول الاخرى، ساعياً للحصول على مخرجات عالية الجودة تسهم في تنمية اجتماعية تحقق مستوى عاليا من الرضا لدى المتعلمين.
5 ان عقد هذا اللقاء الاول للادارة المدرسية على مستوى المملكة ليؤكد ان وزارة المعارف تسلك اسلوباً ادارياً شمولياً يحقق مبدأ روح المشاركة والعمل بروح الفريق الواحد الذي ما فتئت تنادي به منذ سنوات بين منسوبيها في جهاز الوزارة او في الميدان اذ لا فرق، بحيث يشعر كل منهم انه معني بمشكلات الوطن حيث كان موقعه واي ادارة تعليم ينتمي اليها فلا يكرر الجميع نفس الجهود مما يؤدي الى ضياع الوقت والجهد والمال,, فيعمل الجميع على تكامل الخبرات ويستفاد من التجارب وتوحد التوجهات مما يوجد نضجاً تربوياً هادفاً مصدره الشريك فيتم بناء علاقة شراكة مهنية بدلا من الهدر والازدواجية والتكرار.
ولعل ضخامة المسؤولية في مجال التربية وتحدياتها المتجددة يختلف عن غيرها من اجهزة الادارة الاخرى، اذ لا يستطيع جهاز الوزارة وحده ان يستأثر بالتخطيط وينفرد الميدان بالتطبيق مما يحدث الانفصال بين العربة والحصان، بل اصبح الجميع كلهم مشاركين في التخطيط والتنفيذ والتنظيم والمتابعة والتقويم.
واتبعت الوزارة في ادارتها منهجية التفويض المبني على المعرفة الكاملة مما اشعر الجميع بأنهم قادرون على انتهاج الصواب وتنفيذه دون الرجوع الى مسئولين اعلى في الوزارة لانه ليس للصواب صورة واحدة بل تتعدد اساليب التنفيذ تبعاً لتعدد صور الفكر ومتغيرات الموقف، ولهذا سلكت الوزارة اسلوباً حديثاً في الادارة يدعى الادارة بالاهداف والادارة الاستراتيجية.
ولم يحمل هذا اللقاء طابع المفاجأة فقد مهدت وزارة المعارف منذ سنوات لهذا اللقاء عبر ما بثته من خطوات متنامية في الفكر التربوي لدى الميدانيين الذي جاءت خطواته بالتدريج خطوة خطوة سواءً عبر ما حوته موضوعات مجلة المعرفة ومجلة التوثيق التربوي او لقاءات الوزير في الادارات التعليمية او في كتاباته ولقاءات المسئولين وكذلك النشرات والمقابلات الاعلامية في الصحافة والاذاعة والتلفزيون حتى جاء هذا اللقاء بعد ان وعى مسئولو الادارة المدرسية أهداف العمل الجماعي فتوحدت الرؤى حتى ليخيل للمشاركين أنهم يتوقعون الى درجة كبيرة حجم الاستفادة وطبيعتها ومجريات اللقاءات ومحتوياتها,, ولكن اظن ان اللقاء سيحمل طابعاً مختلفاً ونتائج جديدة تركز على استراتيجيات متجددة في ذهن الوزير,, مثل: اساليب جديدة في التخطيط والادارة اطر متجددة في النظام التعليمي اتجاهات التكامل في الممارسة والبحث العلمي تطوير الكفاءات التعليمية وتهيئتها للاعمال القيادية,, الخ.
كما اتوقع ان يصل الى ادارات التعليم تقرير مفصل وكتيبات وتسجيلات مصورة لمجريات اللقاء وفعالياته وليس مقتصراً على النتائج ولعل هذا اللقاء يهيىء لمرحلة جديدة في التجديد التربوي الذي يحمل لواءه ميدانياً وزير المعارف مما سيحمل رجال الميدان مهام جديدة استشرافاً للتحديات الجديدة والذي ينبغي ان تواكب مناهج التعليم كل متغيراته مما سيحدو وبهؤلاء الرجال ان يكتسبوا مهارات فكرية وعملية جديدة حتى يصبح منسوبو التعليم ذوي سمات أدائية يتفردون بها عن غيرهم.
6 ان هذا اللقاء الذي يتم بين معالي الوزير ومنسوبي الادارة المدرسية ليؤكد ان وزارة المعارف بما تضم من خبرات مميزة في الميدان اصبحت تمتلىء ثقة بمنسوبيها لأنها وقفت عن كثب على انجازاتهم حتى أيقنت أنهم القادرون على فهم مشكلات الميدان الواقع والاحتياجات والقادرون على تحقيق تطلعات تنافس أرقى الانظمة التعليمية, وان كان الامر يحتاج الى شيء من اللمسات الجوهرية التي لا تخفى على وزير المعارف.
ولهذا يجيء هذا اللقاء مع المتميز ليطلع الوزير بنفسه على مستوى الفكر التربوي لدى هؤلاء الاشاوس وممارساته ومهاراته واحتياجات الميدانيين بين الاستصحاب والمغايرة وهو الذي عايش واقعهم من خلال سنواته معهم، فهم الذين تبنوا تطلعاته وعملوا على تحقيقها حقلياً,, ولهذا فما الذي سيكتبه الوزير في مفكرته الخاصة بعد هذا اللقاء هل استوعبوا منه درس السنين؟ هل يحقق اللقاء تطلعات المجتمعين والمشاركين؟ أتمنى ذلك,, ولا أقول وداعاً لأن القلب لا يحتمل كما لا أقول الى الامام هندسياً ولكن معنوياً كما لا اقول عبثاً الى النجاح الدائم لأن النجاح الحقيقي نابع من العثرات بنفوس قادرة على التصميم والتحدي لا يعرف الاستسلام والوهن اليها طريقاً وحينها تكون الخبرة الواعية المستبصرة,, والى لقاء أيها الاحبة في موضوع لاحق، واننا معكم بكل احساسنا متمنين لكم التوفيق والسداد.
* مشرف الإدارة المدرسية بالطائف