لما هو آت د ,خيرية إبراهيم السقاف الحوارُ ,, حافزُ الثَّراء |
نشأنا نعلم أن السؤال نصف العلم,.
وندري أن الصدور تضيق ذرعاً بأسئلة الصغار، وكثيراً ما وُسم الطِّفل الذي يُكثرُ في طرح الأسئلة بأنه ماكر ، أو مشاغب ، وإن كان المكر في مفهومه الدارج هو الذكاء فلقد توصلت نتائج البحوث الحديثة إلى أن الطِّفل الذي يُكثرُ الحركة، ويُكثرُ الأسئلة هو طفل ذكي,.
والذكاء إذن صنوٌ للحوار، لأنه باعِثُه، ولأن الأخير نتيجة له,,، والباعث والنتيجة كلاهما يسيران في اضطراد,.
من هنا كان الحوار محكاً قاعدياً لنموِّ الفكر، ومن ثمَّ الحسّ، ومن ثمَّ المهاراتِ الأخرى التي تُعزِّزُ الفكر من جهة، وتُكَوِّنُ آلياته من جهة أخرى,.
ولقد عَرف الإنسان الحديث أهمية الحوار فأنشأ الطاولات المستديرة، أو المستطيلة، وحدَّد مواعيدَ للِّقاءات، لم يعد أيُ نظام عمل سواء كان إدارياً ، أو اجتماعياً، أو تربوياً، أو إعلامياً، أو فكرياً، أو حتى سياسياً يخلو من جداول أعمال تعتمدُ الحوار وسيلة التفاهم والتخاطب فيها، بل وُضعت المصابيح الحمراء فوق أبواب قاعات الحوار التي تُسمى بأسماء مختلفة منها: اجتماع، ندوة، لقاء، مجلس، ونحو ذلك.
ولئن كان الحوار الرسمي يُوثَّق في مَحاضر تَحفَظُ لبنوده وفقراته ثباتها، وتُوثِّق نتائجها في شكل قرارات عادةً ما يتفق عليها المجتمعون، فإن أي حوار يقوم بين اثنين فأكثر لا ينتهي إلا بنتائج على الصعيد الشخصي أو العملي.
من هنا جاء للحوار أهميته واكتسب سِمَتَه الفعلية في تنفيذ النتائج، حتى المتخاصمين غالباً ما يلتقون - أو يلتقيان - كي يتحاوروا فيُذهِبُ الحوار ما بينهم من الشحناء,.
وللحوار صفاته وسِماتُه، وهو غالباً وفي كلِّ الحالات لا ينشأ إلا للإيضاح، ولإيصال وجهة النظر، وللوصول إلى نتائج بين متَّفقين عليها أو مختلفين في أمرها، أو للوصول إلى قرارات من شأنها أن تكون بدءاً للتنفيذ,,، ولا يقوم الحوار دون أن تكون له معاييره، ولعل أجدى نتائجه عندما يتمُّ بين متكافئِين، وجاء في أسلوب واعٍ، وبحكمة تكبح جوامح الانفعال.
وهناك نوع من الحوار الصامت، يتم بين الفكر والآخر على مستوى أقرب، وعلى مستوى أبعد، فالكُتَّاب مثلاً تنبعث عنهم حوارات الفكر، والنفس، بينهم وبين مُتَلقيهم في مجتمعهم الواحد، فهم من يُعبرون عن آراء الناس، وعن حاجاتهم، وعن تطلعاتهم وطموحهم,,، وكثيراً ما أُتخذت أفكار الكُتَّاب قاعدةً لانطلاق المتُغيرات الاجتماعية العامة، ونهضت الأمم بحجم ثقل ووعي حوار مفكِّريها مع السلطة الاجتماعية والتربوية والصحية والاقتصادية, إذ إنَّ المجتمع، والتربية، والصحة، والاقتصاد، هي محاور الحياة الأساس التي يعيشها الناس والتي إذا ما كانت محققة لرضاهم وراحتهم وتطلعاتهم ونموهم وتفاعلهم واستقرارهم ونُسِّقت بين ما يأخذون وما يعطون، وبين الضروري والممكن، وبين المهم والطارئ,, فإن المجتمع يتسنَّى له أن يأخذ وضعاً متطوراً بين المجتمعات الإنسانية.
أما على المستوى الأبعد، فيأتي حوار الفكر بين مفكري الدول، والأمم، والحضارات، قديمها وحديثها,, حواراً يوسَم بحوار الثقافات، أو الفكر، أو الحضارة,.
مثل هذا الحوار يتم عن طُرُق الفكر ووسائله المختلفة في إبداعه المكتوب، والمرئي، والمسموع، وفي إبداعه الملموس في تحفة، ورسم، ونحت، وسواها، أو في شكل حواراتِ مشافَهةٍ فوق المنابر البحثية، والجدل الفكري المواجِه,.
وعندما تُتاح فرص الحوارات الإنسانية تتسع نطاقات الوعي، ويُمنح الجمهور فرص التفاعل الحي والملموس الذي من شأنه أن يصل إلى نتائج مؤثرة سريعة أولها الشعور الغامر بالمشاركة الفردية، فإذا ما شعر كلُّ فرد أنه مَعنِيٌّ بالحوار وبالتفاعل وأن هذه ليست مهمة النخبة فقط ازدادت ثقته بدوره إذ على مستوى الحوار البشري تتم ملخصات النتائج نحو حضارية إنسانية واقعية تبعد عن هلاميات الأحلام غير قابلة التنفيذ,.
وما هذا الذي يتم في عاصمة الثقافة الآن الرياض الوارفة التربة الخضراء، اليافعة الأصيلة إلا فرصة إتاحة الحوار على الصعيد الفردي والجمعي مع الفكر، والتجربة ذات الأنماط المختلفة، لتبادل الاحتكاك بين التجربة الثابتة والمتطورة وبين تجارب الآخرين، والأبعد,.
فليكن الحوار في الرياض حواراً مشاغباً ينمُّ عن ذكاء يَتصيد كلُّ ما من شأنه أن يضيف إلى التجربة ما يثريها.
|
|
|