بيننا كلمة في طلب الحقائق د , ثريا العريّض |
على الدوام,, وفي كل مراحل التاريخ والحضارة الإنسانية ظل أهم ما يشغل الإنسان المفكر هو الوصول إلى الحقائق.
وظلت أهم وسائل التأثير على الإنسان والسيطرة على تصرفاته، صياغة الإعلام المقصود,, التلاعب في الحقائق والتشويش في محتويات المعرفة أو تقديم الحقائق.
الإعلام الحديث الرامي ولو شكليا فقط إلى إيصال الحقائق المجردة لم يأت مع الفضائيات، بل هو بتحليل أدق ابتدأ مع الراديو واللاسلكي في منتصف القرن العشرين, الجميع يطلب الصدق من مصدر ما موثوق به وهو ما يشك في توفره من مصادر داخلية ومن وثقوا بالمصادر الخارجية كانوا أيضا واهمين في اعتماد صدقها دائما, لسنوات اعتمد طالبو الصدق على إذاعة ال(بي بي سي) وصوت أمريكا ومونت كارلو، وإذاعة الشرق الأوسط, والأقل وعيا صدقوا صوت ألمانيا أو برامج موجهة مثل أكاذيب تكشفها حقائق ومن هذا المنطلق جاءت مسميات إذاعات مثل صوت العرب .
الآن لم يعد الصوت يكفي, هو عصر الصورة المرئية المتحركة المتابعة ساعة حدوثها, عصر الفضائيات: مرآة سحرية لا ترى فيها نفسك بل تعايش كل ما يجري في العالم البعيد.
هل تذكرون بريق الصواريخ وهي تنهمر فوق بغداد عام 1991؟ فرقعة السكود حين يبعثره الباتريوت في فضاء الظهران؟ ربما كانت الحالة الأولى لحرب يراها الجميع في شتى أنحاء العالم لحظة حدوثها,, وليس في تغطيات إعلامية بعد الحدث.
هكذا انفتحت شرفات الفضاء الكوني وتصدعت الجدران وموانع الصوت, منذ ابتدأت ال(سي إن إن) بنشرة أخبار مرئية ومباشرة يتلقاها العالم كله فتحت مجالا جديدا للتنافس في مجال البث الإذاعي المباشر والعابر للحدود القطرية والمسافات الجغرافية، مجتاحا معتادات الاجراءات الفردية وملغيا تحكم مقصات الرقابة, عشرات بل مئات القنوات الفضائية تتوصل في بثها وتتقاطع في فضاءات العالم المليء بالصور والأصداء, وبين هذه الفضائيات ظلت السي إن إن تحتل المركز الأول كقناة لا تنتمي لنظام بعينه بل هي للعالم كله الراغب في معرفة الحقيقة كلها, ومع هذا فإعلام السي إن إن الذي لا يتأخر عن نقل الحدث بكل تفاصيله ويكاد يقنع المتلقي بحياديته، ليس في الحقيقة ملتزما بتلك الحيادية بل يطبق انتقاءات غير مباشرة خاصة حين هو ينقل أخبار الآخرين البعيدين, لا يحس تحيّزها غير هذا المتلقي الذي هو مطلع على تفاصيل كثيرة لا يشملها البث,, ولكن السي إن إن تبدي من وجهات النظر في أي موقع مالا تبديه وسائل الإعلام الأخرى أو لا تهتم بمتابعة تفاصيله, يختار من التعليقات والتفسيرات ما هو موجه ومنتقى ليميل ميزان المتلقي حيث يشاء له أن يميل.
الآن هناك ايضا قنوات فضائية أخرى تتنافس على استقطاب الجمهور العالمي، البي بي سي البريطانية، والقناة الفرنسية والألمانية والأوروبية الأخرى وغيرها آسيوية وعربية, بعضها ينقل ما يحرق الوقت ويشغل العيون والأذهان بما يضر على المدى القريب,, والبعيد, بعضها الذي يشغل الأذهان بمتابعة الحدث وما استجد على ظهر البسيطة قد يحمل المفيد مثل القنوات العلمية والتعليمية.
|
|
|