Tuesday 25th January, 2000 G No. 9980جريدة الجزيرة الثلاثاء 18 ,شوال 1420 العدد 9980



المجنون مرَّ من هنا
فردوس فلاتة

صرخات متعالية تعبر حدود الاذان لتصل إلى داخل النفوس يتساءل الجميع عن منشئها المفاجئ مصدرها، اسبابها.
(سهام) لا تتعجب تعرف مصدرها وسببها وتخاف منها, كل يوم تعيش اجواءها ولا حيلة لها سوى جمع ابنائها الصغار في حضنها وتجتمع بهم في حجرة ما داخل المنزل ترتعد خوفا على ابنائها,.
هذه صرخات محمود شاب في الثلاثين من عمره قد اصيب في ربيع عمره بمس الجان، والعياذ بالله.
اصبح نصف انسان يعيش بلا هوية تثبت اقامته مع هؤلاء البشر صرخاته تتعالى كل حين في ساعات متأخرة من الليل فتنشر في القلوب هلعا ورعدا.
في ساعات النهار يكون ذلك الإنسان الهادىء الطيب ويغدو الى عمله نشيطا ومرحا لا شيء يرسم خطا عكسيا في سماء نفسه, يحب ابناءه ويحنو عليهم، يداعبهم ويقوم بزيارة الأقارب والأصدقاء رغم امتناعهم عن زيارته لسبب معروف في نفوسهم؟
زوجته (سهام) تشتكي الى والدتها انها لاتطيق العيش مع انسان يعتريه الجنون من حين لآخر لا تستطيع العيش مع انسان يصفه الآخرون بانه مجنون وكل من حولها يلقبونها بزوجة المجنون.
اصبحت أكثر اكتئابا على مر الأيام، تخشى الزيارات المطولة حتى لا تخرج بكلمة ما تصيبها بألم لن يندثر ابدا ولكن ما يجعلها تحتمل ذلك ابناؤه (جهاد، سعاد، احمد) فقد اعتبرت ان حياتها انتهت من يوم اصابة زوجها بالجنون.
تتساءل هل تدفن زهرة شبابها بين تلك الأسوار العالية التي تحيطها من سلوك زوجها؟
أم تهرب لتنجو من شر الطوفان الذي يسكن منزلها؟
انها تخاف زوجها بعد ان كانت تحبه, تسترجع ذكرياتها الأولى معه، كيف كانا أسعد زوجين يعيشان في هناء وسعادة، وكيف تحول ذلك الى عذاب دائم.
لا حول ولا قوة إلا بالله كلمات تعودت ان تتمتم بها كلما اعترت زوجها الحالة الجنونية, كانت تختلس لحظات صفائه وتعرض عليه ان يعرض نفسه على طبيب أو,,.
وحينها يتحول هدوؤه إلى عاصفة من الغضب واعاصير قاتلة ونظرات ناقمة يصيح ويصيح: أنا لست مجنونا، انا لست مجنونا,,,.
تتركه ينفرد بنفسه عله يدرك حجم العذاب الذي تعيشه معه وعندما فقدت الامل في ان يعود ذلك الانسان الى طبيعته الاولى, طلبت الطلاق, وخرجت من حياته حرة طليقة من قيود كانت تقيدها وتشل حركتها, الآن اصبحت كأي امرأة فلم تعد زوجة المجنون,.
هكذا تركته دون ان تساعده على ان يعود (محمود) الانسان ذو الهوية العقلية السليمة, تركته يتخبط في متاهات ايامه بلا دليل يرشده للطريق الصحيح.
فقد حنان الزوجة وفقد ابناءه ايضا, لانه فقد عقله.
لم يكن ذلك بمحض ارادته بل كانت القدرة الإلهية فهل اجرم في حق مجتمعه عندما اصبح المجنون؟ ام هل استحق الموت للسبب ذاته؟
زوجته رحلت لأنها شابة تحب ان يكون لحياتها معنى جميل لاتريد العيش مع انسان يصفه الناس بالجنون, وبين موقفها والمجنون يسقط الابناء من فقد حنانهما.
لطالما سمعوا الاطفال ينادونهم بأبناء المجنون,, فمن يكون ذلك المجنون؟ هل يعقل ان يكون والدهم أم انه لقب لحق باسم عائلتهم؟
(المجنون محمود) هكذا عرفه الناس ولم يعرفه ابناؤه ولم يعرف نفسه وعرفته زوجته التي طلّقها,
(محمود) الشاب الحزين الذي اودع مؤخرا في المصحة النفسية تحت اسم المجنون غدا ابنائه رجالا يصارعون متاعب الحياة واحداثها ويندفعون بكل خطى ناجحة, ولم يخطر على أذهانهم ان ذلك المجنون الذي لقبوا به كان والدهم الذي احبهم ولم يشعروا بحبه والذي لطالما تمنى لقاءهم في كل وقت ولم يفكروا ابدا ان يلقوه,, لأنه المجنون,,.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

ندوة الاوقاف

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الخدمة المدنية

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

لقاء

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.