Tuesday 25th January, 2000 G No. 9980جريدة الجزيرة الثلاثاء 18 ,شوال 1420 العدد 9980



الأوكارديون

النسمات الباردة,, القادمة من الشمال تحمل نغمات الأوكارديون الدافئة نحو النوافذ المتراصة في ذلك البناء المظلم لتعانق النافذة الوحيدة المضيئة, خلف تلك النافذة ترقص شعلة الشمعة محولة الستارة الى شبح يتمرد رافضاً السكون,, هناك حيث يقبع فوق الطاولة,, الكتاب الذي قرر منذ زمن قراءته.
يحاول إغلاق النافذة ليغتال تلك النغمات,, يتشنج,, يحمل المخدة,, يثنيها على رأسه,,, تبدو كحذوة الحصان.
تخترق رأسه صور هذا الصباح,, اسوار المدرسة,, صحائفها الحائطية,, يظهر فجأة ذلك الوجه الضبابي الناعم,, وستارة الشعر الأسود تنسدل بلا إرادة امام إشراقه احياناً,, ينحني على برادة الماء القابعة في الممر المطل على فناء المدرسة يحرك عينيه في كل اتجاه,, كعادته وهو يتلف الماء الطائر بلسانه,, تعبر نظراته فوق الوجوه بلا اكتراث لكنها تسقط فجأة في فضاءات ذلك الوجه,,, تحاول النهوض,, دون جدوى,, تتسمر كل مكوناته,,, لايتحرك منه سوى لسانه الذي يواصل العبث بالماء,, يدفعه نحو تلك الفوهة التي تحاول رغم جمودها ان ترسم ابتسامة اعجاب,,, بطنه ينتفخ,,, كقربة,, والماء مايزال يندفع نحو قاعها دون ان يشعر,,, في تلك اللحظات المضطربة تعطلت كل حواسه,, استمر في تأمل ذلك التجسيد الرائع للجمال.
يرفع رأسه,, يتقدم قليلا,, خطوات سريعة قادمة من الخلف وضربة مؤلمة يتلقاها ظهره,, صوت اسامة,, صديقه الوحيد هذه الايام.
ما الذي حدث,,,؟
ترتعش اصابعه في الهواء,,, يدها ماتزال تتجه نحو يده,, شعر بكل ذلك الماء الذي شربه,, ينسل ساخناً تحت ملابسه,, التصقت قدماه,, تحول وجهه الى نقطة مجردة من كل تعبير,, آفاق بعد لحظات,, لقد غادرت المكان,, لم يعلم اصافحته أم تركت يده معلقة في الهواء بلا اكتراث,,.
يخالجه شعور انها قالت الكثير دون ان يستمع,,.
يعبر امام ابواب القاعات المغلقة,,, يتوقف,,, يعود للخلف قليلا,,, انها هناك بين كل اولئك التلاميذ تجري تدريباً على احد الاناشيد,, يفتح الباب دون تردد,, يدخل مع بعض المتطفلين,.
كل مرة تنظر نحوه,, يرتبك,, يغيب في سحابة الخجل,, تسقط نظراته على الارض,, يرفع رأسه من جديد,, ينظر في اتجاهها,, يلمح ابتسامة غير عادية,, تهتز شفتاه,, تكسر الخجل الذي يكبلها,,, وترتسسم اخيراً ابتسامة منهكة,, متردده,, يقترب اكثر,, يحرك يديه,, لايجد استجابة,, يسير الى الجهة المقابلة,, يستمر ذلك الوجه المشرق يتجه بجمود نحو النافذة,, بينما هو يواصل خطواته نحو الجهة الاخرى,.
يستدير نحو النافذة,, يلمح وجها آخر يحمل ابتسامة من نوع فريد,, يستدير نحو الباب بخطوات محبطة,.
يمتزج صوت الماء في بطنه بنغمات الأوكارديون القادمة عبر النافذة,, يغلق عينيه,, يستغرق في مخدة الريش,, تقوس كحذوة الحصان,, فوق السرير,.
عبدالله منديل الفهيد

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

ندوة الاوقاف

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الخدمة المدنية

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

لقاء

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.