ندوة الاوقاف ابتكار إسلامي نبيل د / عدنان بن خليل باشا * |
يعتبر الوقف ابتكاراً إسلامياً نبيلاً أسهم إسهاماً عظيماً في نشر الإسلام وعلومه وحضارته على امتداد المكان والزمان، فلولا الأوقاف الإسلامية لاندثرت آلاف المساجد وتوقفت مئات المدارس والمعاهد والمكتبات والمشافي والكتاتيب، وغيرها من عوامل انتشار القرآن والسنة وعلومهما وشيوع الفكر الإسلامي ونمو الحضارة الإسلامية في مجالاتها العديدة من عمارة وفنون وعلوم كانت نبراساً للبشرية في تقدمها ورقيها، حيث بلغت الكتاتيب التي تم تمويلها بأموال الوقف عدداً كبيراً فقد عد ابن حوقل منها ثلاثمائة كتاب في مدينة واحدة من مدن صقلية، كما أورد في كتابه الجغرافي وذكر أن الكتاب الواحد كان يتسع للمئات أو لآلاف من الطلبة.
وقد كانت الغالبية العظمى من سلاطين المماليك يمتنعون عن مصادرة ما أوقف على المساجد والمدارس، لذا فقد كثرت الأوقاف المرصدة على المدارس في عهدهم وبقيت الوقوف من بعدهم تحبس على المساجد والمدارس حتى أن محمد علي باشا عندما مسح الأرض الزراعية في مصر وجد أنها تبلغ مليوني فدان من بينها ستمائة ألف فدان هي أراض موقوفة، أي ما يقرب من ثلث أراضي مصر في ذلك الوقت.
لذا نجد أن التشريعات الحديثة قد صانت الأوقاف الخيرية، فقد حميت المدارس والمكتبات والمستشفيات ودور العلم وغيرها من المصارف الخيرية والدينية، من محاولة الاستيلاء عليها بحجة مرور الزمن، كما هو جار بالنسبة إلى باقي الأراضي والمسقفات التي يمكن الادعاء بملكيتها بحجة مرور الزمان على وضع اليد عليها.
وفي مجال الإيقاف على المدارس والطلبة، فإن المساجد لم تكن مقتصرة على تعليم الناس أمور الدين فقط، بل امتدت المخصصات الوقفية إلى إنشاء مدارس متخصصة لتدريس الفقه والطب والإدارة، وأصبحت المساجد الصغيرة ملحقة بالمدارس بعد أن كانت المدارس هي ذاتها ملحقة بالمساجد، وشمل التعليم الرجال والنساء وحتى المماليك والعبيد والإماء من النساء والأيتام واللقطاء، وانتشرت الثقافة بين البوابين والفراشين لأن شروط الوقفيات سهلت لهم ذلك.
ولذا تجد أن البعض في هذه الطبقات قد بلغ الذروة في العلم، وأصبح من اكابر العلماء، كل ذلك بسبب أن أموال الوقف كانت تسمح لهم بالعمل والدراسة فيها، وأصبح هؤلاء يمنحون بأنفسهم الشهادات والإجازات لغيرهم، مثل سعد الجبريلي وكذا ابن الدبيشي والمنزي وأحمد بن أبي بكر بن علي الذي كتب تاريخ ابن كثير وأضاف إليه,,ولا غرابة في ذلك فإن الاهتمام بالمدارس في الحضارة العربية الإسلامية هواهتمام منقطع النظير، ويفصل البعض عنها في هذا المجال عبدالقادر النعيمي المتوفى سنة 927 هجرية في كتابه الدارس في تاريخ المدارس فيخبرنا بأن هناك أوقافاً خصصت لشراء ألواح للطلبة من صبية مكة والمدينة، وأن ابن رزيك قد أوقف عليهم الأموال لتجهيزهم بالأقلام والمداد وما شابه من ورق ومحابر,,وفي القرن السادس للهجرة مثلا نجد المدارس المستقلة والخاصة بالإنفاق على فقراء المسلمين قد انتشرت في بلاد الإسلام، إذ نجد ابن جبير يتكلم عما شاهده من مدارس موقوفة على الأيتام واللقطاء وأولاد الفقراء، سواء أكان ذلك في القاهرة أو في دمشق.
وإذا كان الأمر كذلك في تلك الأعصر فإن أهمية الأوقاف وخطورة دورها وحيوية فعاليتها الآن أشد، فلم تعد الدول والحكومات قادرة على تقديم كافة الخدمات التعليمية والصحية وكفالة الأيتام ورعاية المسنين والأرامل والمعوقين,, الخ,,لذا فإن الدور الذي يمكن للأوقاف أن تتحمله أصبح الآن عميقا في دفع عجلة التنمية في مختلف المجالات.
أما عن أثر الأوقاف الإسلامية في نشر الدعوة إلى الله فإن إقامة المساجد ونشر القرآن الكريم وعلومه في مختلف بقاع العالم مهمة لا يقتصر أداؤها على الدول، وإنما تنجح بتعاون أهل البر والإحسان في المواجهة الشرسة مع دعاة المذاهب الهدامة والنحل الباطلة التي ترصد لها الأموال بالمليارات ويجند لها دعاتها بمئات الآلاف,,ولا مناص أمام المسلمين إلا ان يتقدموا بأموالهم وأنفسهم متعاونين لإنجاح الدعوة إلى الله، ونشر مبادئ دينه القويم.
كما يمكن للوقف أن يسهم بدور كبير ومؤثر في دعم الاقتصاد الوطني والتنمية، إذ يستطيع الوقف أن يتحمل كثيراً من المهام التي تقع أعباؤها الآن على عاتق الاقتصاد الوطني، مثل بناء المساجد، وإنشاء الجمعيات والمدارس الأهلية لتحفيظ القرآن الكريم وكفالة الفقراء من الطلاب، إضافة إلى كفالة الأيتام وتدريب العاطلين كمدخل لتشغيلهم وتنمية مهاراتهم، ليسهموا في تنمية المجتمع وتقدم الأمة.
كذلك يمكن للوقف أن يسهم بفعالية في نشر الكتاب الإسلامي، والإسهام في البحث العلمي بإنشاء بعض المراكز البحثية وتبنيه لبعض المشاريع العلمية,,وتقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في هذه المملكة الكريمة بجهود كبيرة ومتنوعة منها قيامها على أمر المساجد والدعوة الإسلامية بها، وجهودها في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين لا تخفى,, كما تقوم بإجراء المسابقات طوال العام بين حفظة القرآن الكريم والمسابقة العالمية التي تقوم كل عام في مكة المكرمة محل تقدير العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه وللوزارة من خلال مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف جهودها المرموقة في توزيع ملايين النسخ من المصحف الشريف وترجمات معاني القرآن الكريم بعشرات اللغات مطبوعاً ومرتلاً بأصوات كبار القراء في مختلف بقاع العالم، كما أن لها جهودها في نشر السنة النبوية الشريفة وعلوم القرآن والسنة.
وللوزارة أيضاً دورها البارز في نشر الكتاب الإسلامي والأشرطة الدعوية، وإرسال البعثات الدعوية إلى الخارج، وعقد المؤتمرات الإسلامية بالمملكة، والمشاركة في المؤتمرات والنشاطات الإسلامية في شتى بقاع العالم.
كما تقوم بالإشراف والدعم للمراكز والجامعات الإسلامية في الخارج، فجزى الله عز وجل القائمين عليها خير الجزاء وحفظ الله تعالى لهذه البلاد العزيزة قيادتها الرشيدة التي لا تضن بمال أو جهد لدعم الدعوة الإسلامية في جميع أرجاء العالم.
|
|
|