الثقافة,, والنماء,,! بقلم:معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة |
في البدء أنطلق من تصريح صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود حول المراد من الانطلاقة الثقافية لمدينة الرياض للعام الميلادي (2000)، الذي يُعَدُّ عندي تمام الألفية الميلادية الثانية، وليس بداية الالفية الميلادية الثالثة، ولا يغرَّنكم الحاسوب، وما بذل عليه من اكثر من ألف مليار دولار (1000,000,000,000) لتطويعه لسنة (2000م) وليس للالفية الثالثة ويقولون عن هذا الرقم انه (تريليون)!!
والأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير الرياض، رجلٌ عُرف بثقافته الواسعة، وباطلاعه المتنوع في الآداب والعلوم والتاريخ والجغرافيا والسياسة والتراث، والذين تابعوا الاطلاع على مكتبته الشخصية يدركون هذا التنوع في الثقافة، كما انهم يدركون انه لا يجمع الكتب التي تُهدى له من المؤلفين، مع أنها عادة حسنة، ولكنه ينتقي ما يريد، لأنه على حد علمي يجمع الكتاب الذي ينوي قراءته وإخاله يقرأ في السيارة وفي الطيارة وفي الرحلات الداخلية والخارجية بالاضافة الى القراءة في المكتبة العامرة بالكتب العلمية والثقافية.
ولذا فإن التصريح الذي يظهر من هذا الرجل المثقف يعكس بحق مدى ما وصل اليه من سعة اطلاع، يقول رعاه الله : إننا في المملكة العربية السعودية نرحب بهذا الاختيار فرصة تاريخية لجلاء حقيقة الاسلام كدعوة دائمة صريحة للسلام بالحكمة والموعظة الحسنة وكدين يحفز العقل للتفكير والتدبر، ويحث الفرد على طلب العلم، وتلمس المعرفة في أعماق ذاته، وفي رحاب الطبيعة من حوله، كما يدعو الشعوب والقبائل الى التعارف والتآلف الجزيرة 9937 في السبت: 16/10/1420ه.
ومن هنا تكون الانطلاقة في الوقت الذي نعلم فيه أن هناك اكثر من مئتي تعريف للثقافة، ولكني لا أريد أن أدخل في جدل فلسفي حول هذا التعريف، او التحديد الدقيق، وآمل ان يتسع صدر القارىء الكريم والقارئة الكريمة الى أن تكون انطلاقتنا في هذه الفرصة المواتية، ان نقدم انفسنا للناس، لا نقدم الناس الآخرين لأنفسنا, وهذا يعني - عندي أن نؤكد في ثقافتنا على خصوصيتها تلك الخصوصية التي لا تحد من الانطلاق، بل تدعو اليه، ولا تلغي الحوار مع الآخر بل تحث عليه.
إن مما يؤخذ علينا على الصعيد الثقافي ومنه السياسي اننا لا نقدم انفسنا للناس سواء أتوا الينا في دارنا ام ذهبنا اليهم في دارهم.
وهناك اكثر من تصريح رسمي يعتب علينا في عدم انتهاز الفرصة في هذه الزيارات لتقديم ما لدينا، بل ان مما يؤخذ علينا ممن يزورنا في مهمة رسمية او علمية اننا نقدم له كل شيء الا ما جاء من اجله، يبحث عنه، ويود سماعه منا، نحن نكرمهم، ونحتفي بهم، ونضع لهم برنامجاً حافلاً، ولكننا لا نتطرق للقضايا التي جاءوا من أجلها، بحجة أننا لا نريد احراجهم.
وأزعم ان عاصمة الثقافة لهذا العام الميلادي سوف تستقطب جمعاً من المثقفين، كما كانت عليه الحال في مهرجان الجنادرية ولا تزال ولذا فإن استقطاب هؤلاء النخبة لا ينبغي أن يقتصر على السماع منهم، بل ربما نريد أن نُسمعهم اكثر مما سمعنا منهم، لأننا سمعنا منهم الكثير، وسمعوا منا القليل.
وأزعم كذلك أن من بيننا من يريد ان يَسمع اكثر مما يُسمع، وأنه يريدها فرصة لتكون الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية بما يحمله هذا الاسم من معنى ميدانا للطرح الثقافي غير المؤهل ولا سيما تلكم الثقافات التي قامت على استعجال وكانت ردود افعال لحالات خاصة، نبتت في بيئاتها، فجرى تصديرها، وتخلى عنها قومها وتبناها من تلقوها بسطحية وعجلة رغبة في التغيير لأنماط ثقافية محلية غير قابلة للتعميم، بمعنى انها ليست عالمية، بل انها ربما تكون غير قابلة للتعميم الاقليمي فما بالكم بثقافة اسلامية من خصائصها انها عالمية.
ولقد اصطبغت هذه الخصوصية بالمملكة العربية السعودية أولاً ثم بالبلاد العربية ثانياً، ثم بالبلاد الاسلامية ثالثاً، ثم بالأقليات المسلمة رابعاً، ثم بالجاليات المسلمة خامساً، ويتوقع ضيوف هذه الفئات الخمس أن يجدوا هذه الصبغة، بل انهم يبحثون عنها, ولا يخفى على القارىء الكريم والقارئة الكريمة ان غيرنا لا يأتي الينا ليطلع على ما على الارض من طرق وجسور وعمارات ومحلات تجارية، ونهضة عمرانية نفخر بها، ولكنه جاء ليطلع على ما في أذهاننا من فكر، وما يمكن أن نسهم به في رقي البشرية الفكري والثقافي الذي بات الآن يُبحث عنه في كل مكان، ولا يغرنكم مرة اخرى هذه الدعوة المحمومة الى العولمة من منطلق واحد وباتجاه واحد فقط، فإنما هذا من فورات هذه الأيام وستبدي لكم الأيام خلاف ذلك لأن هذه الدعوة لا تتسم يوماً بعد يوم بالواقعية المطلوبة شرطا للتبني.
والثقافة الاسلامية قادرة على الاسهام في رقي البشرية، فقد اسهمت وهي الآن تعود لتواصل دورها في مزيج ملائم مع ثقافات اخرى قديمة، واخرى حديثة ممتدة عن القديمة.
ان الذي ستفخر به عاصمة الثقافة هذا العام الميلادي (2000) هو ان الرياض ستقدم رؤية ثقافية ليست جديدة ولكنها أُخضعت للتعمية حيناً من الدهر من بعض اهلها ثم من بعض دارسيها من غير اهلها وأحسب ان الرياض اذا تبنت ذلك-وهي ستتبناه بإذن الله تعالى - ستقدم صورة أخرى للعالم غير تلكم الصورة النمطية التي يصر الآخر على تعريفنا بها والتعرف علينا من خلالها، خيمة وجمل وبئر نفط,, وتوابع لذلك أملتها الف ليلة وليلة,, وغيرها.
بارك الله في الجهود وسدد الخطى الى تقديم يليق بالرياض عاصمة المملكة العربية السعودية ارض الثبات والنماء، وكان الله في عون الجميع.
|
|
|