وكم راقبوني علهم يجدون بي عيوبا فيشفى في الصدور غليل ولكنني والحزم بعض شمائلي اقوم نفسي,, والنفوس تميل قوي ويشجيني الضعاف نفوسهم صبور على البأساء حين تطول وكالليل اخفي الهم بين جوانحي لكي لا يرى حزني الخبيء,, خليل |
ترددت كثيرا قبل ان اعلق على مقال الاخ الذي اتهمني بسرقة الشعر حتى لا اعطي الموضوع حجما اكبر مما يستحق ولقد قلت في اكثر من مناسبة ان ناقد الشعر حتى وان كان اكاديميا ملما بعلم العروض واللغة بنحوها وصرفها ولكنه لم يكن شاعرا مطبوعا فانه عاجز اذ ربما كان يملك الحس بالجمال والقدرة على التخيل ويملك حاسة التذوق والتصور ولكنه لا يملك في طبعه وفطرته اصلا ملكة التعبير وموهبة التصوير لانه لو كانت لديه هذه الملكة وحاز تلك الموهبة لأصبح شاعرا وما لم يكن شاعرا فكيف يمكن ان ينقد الشعر وهو قمة الفنون ومن اين له ذلك وليس لديه شفافية الشاعر وطبعه وحسه المرهف الذي يلهمه ما وراء الحدث ويحرك في دواخله شحنة الانفعال التلقائي التي تولد المعاني وتسقط المفردات المجنحة على وجدان الشاعر لكي يعبر عن ذلك الحدث ويصوغ في قريحته ووجدانه ما يصوره به ولقد تبين لي محدودية علم الاخ بالشعر من خلال ما كتبه في جريدة الجزيرة وقبلها في جريدة البلاد ولقد اغفلت الرد عليه اكثر من مرة غير انه تمادى في كتاباته في اكثر من مناسبة وخوفا من ان يتأثر القارىء البسيط بهذه الافكار آثرت ان ارد لكي ابين ان ما قاله ما هو الا محاولة يريد بها كسب مساحة اكبر من حجمه في الساحة وليس أدل على ذلك من قوله: لم تكن مفاجأة لي ان القي القبض على الشاعر الكبير,,! يحيى توفيق حسن,,! متلبسا بالسطو المشهود على بيت الشاعر القديم ابي ذؤيب الهذلي في اللقاء الذي اجرته معه مجلة اقرأ في عددها الصادر يوم الاربعاء الموافق 29/5/1420ه والذي ورد ضمن رباعيته التي منها هذا البيت المنحول:
عجبوا لما القى وما اتجرع والدهر يطحنني ولا اتضعضع |
وبيت ابي ذؤيب الهذلي يقول:
وتجلدي للشامتين اريهم اني لريب الدهر لا اتضعضع |
فلقد وقع الشاعر الكبير في المحظور,, فاختلس المفردات والمعنى والمضمون والوزن والقافية والبحر,,, انتهى كلامه,, وانا هنا اتقدم لمن نصب نفسه ناقدا كبيرا فأسأله رفع الله قدره انت تقول اني سرقت الوزن والقافية والبحر وانا يا سيدي اريد أن ازداد علما فزدني من بحر علمك وقل لي ما هو البحر وما هو الوزن وما الفرق بينهما اليس الوزن هو البحر يا اساتاذ الاساتذة وقلت ايضا انني اختلست المعنى والمضمون فهل يتفضل سيدي فيشرح لي وللقراء ما هو المعنى وما هو المضمون اليس المعنى هو المضمون ذاته والادهى من ذلك انه تعود دائما ان يختار بعض القطع الشعرية لكي يرصع بها مقالاته ويزينها وآخر ما قرأت له من اختياراته الموفقة التي تدل على مدى تألق عبقريته وتأنق حسه وحسن تذوقه للشعر وعلمه بأوزانه فقد اختار,, قطعة من بحر البسيط نشرها بجريدة البلاد العدد 15846 30 شعبان 1420ه ضمن مقاله وقدم لها مقدمة شيقة واعتبرها من القصائد المغمدة في الجفون على حد قوله تقول:
قتلى جفونك يا ليلى بلا عدد ردي لي لحاظك بات السهم في كبدي تأكدي انني لو بت من ظمأ وقيل لي: دون ليلى الماء لم ارد عذبتني في الهوى والعشق لست انا ممن يخاف الردى في الحب فاتئدي قالو: ابتعد تنسها يا هول ما ذكروا هم ارادوا انفصال الروح عن جسدي ليلى بربك هل تنسى مودتنا والروض شاهدنا نمشى يدا بيدا والورد مبتهل من حولنا طربا يرنو لعينيك لا للبلبل الغرد هلا عطفت على صب يذوب جوى اراق ضدك فيه قدرة الجلد وجدت قبلك عذابا يستطاب به وكنت قبلك لم اظفر ولم اجد هلا نسيت الذي بالامس قلت به من رام وصلا بليلى مات بالكمد سيكتبون غدا عنا مقولتهم تعيش من ذمة التاريخ للابد عنوانها ما يثير النفس من عجب الظبي متهم في مقتل الاسد |
والقطعة بها اربعة اخطاء عروضية ولغوية اي ان بيتين فيها مكسوران وبيتين بهما خطأ لغوي,, فكيف يمكن لانسان هذا مدى علمه بالشعر وهو ليس شاعرا اصلا ان يتصدر لنقد الشعر بل وينصب نفسه حكما يصدر الاحكام فاذا عرفنا وذلك هو الادهى والامر ان القطعة التي اختارها ليزين مقاله بها ما هي برمتها الا مسخ مشوه لبعض ابيات من رائعة يزيد بن معاوية نالت على يدها ادركنا مدى محدودية فكره وعلمه وهذان بيتان وهما ما يعلق بذاكرتي من قصيدة يزيد
سألتها الوصل قالت لا تغربنا من رام منا وصالا مات بالكمد قد خلفتني صريعا وهي قائلة تأملوا كيف فعل الظبي بالاسد |
فاذا نظرنا الى هذه الصورة الرائعة وهذا الابداع المتجلي في القصيدة الاصل عرفنا كيف مسخها وشوهها الشاعر الفذ الذي اختاره صاحبنا ليرصع برائعته البائسة مقالته الاكثر بؤسا وادركنا مدى علم الاخ بالشعر ومدى ذوقه وتذوقه ورهافة حسه ثم الا يدرك هذا الذي ارتدى جبة الناقد ان النقد علم له اصوله وادواته وقد سئل البحتري هل مسلم بن الوليد اشعر ام ابو نواس فقال بل ابو نواس,, لانه يتصرف في كل طريق ومسلم يلزم طريقا واحدا لا يتعداه فقيل له ان احمد بن يحيى ثعلبا لا يوافقك على هذا فقال ليس هذا من علم ثعلب واضرابه ممن يحفظ الشعر ولا يقوله فانما يعرف الشعر من دفع الى مضايقه ,, فاذا كان هذا شأن ثعلب امام الكوفيين في اللغة الذي الف كتب الفصيح وقواعد الشعر واختلاف النحويين فماذا ترى يكون شأنك وانت غير ذلك فلا كتب ولا مؤلفات في اللغة او الشعر او النحو لا شيء على الاطلاق,, ايها الاخ ان اردت التربع على عرش النقد فعليك اولا ان تملك ادواته وعلى
رأسها ملكة قرض الشعر ثم علم عروض الشعر وقوافيه وعلله قبل ان توزع اتهاماتك ذات اليمين وذات الشمال فأنت تقول ان بيتي
عجبوا لما القى وما اتجرع والدهر يطحنني ولا اتضعضع |
مسروق من بيت ابي ذؤيب:
وتجلدي للشامتين اريهم اني لريب الدهر لا اتضعضع |
واني سرقت المفردات والمعنى والمبنى الخ,, واني لأتساءل في نفسي الا يفهم هذا الانسان,, حتى لغته,, اين مفردات صدر البيت عجبوا لما القى وما اتجرع اين هي في بيت ابي ذؤيب المذكور ثم دعونا نناقش معنى البيتين,, ابو ذؤيب رجل منهار يتجلد وحق له ذلك فقد اكل الطاعون ابناءه الخمسة دفعة واحدة فكيف لا يتضعضع ومع ذلك فهو يتجلد رغم انهياره لكي يرى الشامتين به انه غير متضعضع هذا فحوى بيته كما جاء في قصيدته وهي من عيون الشعر العربي وروائعه.
اما رباعيتي فعلى العكس تماما انا اعاني عنت الدهر ولكن كما قلت في رباعيتي:
لا قسوة الدنيا تفل عزيمتي وعلى الحوادث صابر لا اجزع حتى ان ذلك دفع زواري الى ان عجبوا لما القى وما اتجرع والدهر يطحنني ولا اتضعضع |
انا لا اتضعضع اصلا وهو متضعضع يتجلد ليرى الشامتين انه غير متضعضع فكيف اكون سرقت المعنى وهو في بيتي عكس ما في بيت ابي ذؤيب اما المبنى اي المفردات فهي امامكم ليس فيها غير كلمتين الدهر واتضعضع وردتا في بيتي وبيت ابي ذؤيب فان كنت تقصد ذلك فما اسهل على اي شاعر ان يغير يتضعضع فيجعلها مثلا يتصدع ويغير الدهر بالاين مثلا حتى لا يأتي نابه اخر مثلك يلبس جبة الناقد مقلوبة فيتصور اني سرقت المعنى والمبنى نعم المعنى والمبنى كما قلت وعندما بالغت في تهجمك وبهذا الاسلوب رددت عليك برباعية مطلعها حساد شعرك وفيها البيت
كل العداوة قد تذوب وتنتهي الا عداوة حاسديك تزيد |
فاوردت انت الرباعية وقلت في مغالطة مكشوفة اني قد سرقت المعنى واللفظ من بيت ابي العتاهية
كل العداوات قد ترجى مودتها الا عداوة من عاداك من حسد |
فهل يعقل ان ارد عليك برباعية بها بيت مسروق وانت تتهمني بالسرقة ولو انك كنت شاعرا ملهما او ناقدا دارسا وحكمت عقلك وانصفت لادركت وفهمت ان الامر لا يعدو كونه توارد خواطر وسوف اعطيك درسا في نقد الشعر وكيفية تساقط الشعر بمفرداته على وجدان الشاعر لعلك تدرك وتفهم هذه الامور ودعني اولا اريك الفرق بين البيتين.
يقول ابو العتاهية كل العداوات في يرجى تحولها لمودة الا عداوة الذي عاداك من حسد فهذا لن يودك على الاطلاق اما ما قلته انا فهو كل العداوة قد تتبخر وتنتهي ولم اذكر شيئا عن تحولها الى مودة بل اضفت معنى جديدا ليس موجودا في بيت ابي العتاهية وهو ان العداوة قد تزيد ولا تنتهي اذا كان سببها الحسد ارأيت ان بيتي يختلف بالمقياس النقدي عند من يعرف ويفهم وهو اقوى من بيت ابي العتاهية لاحتوائه على معنين بدلا من معنى واحد ليتك تتعلم هذه القواعد الاساسية من اساليب نقد الشعر وارجو ان تلاحظ ان بيتي اكثر سلاسة لان بيت ابي العتاهية كرر في عجزه المفردة من مرتين.
وقد يستغرب القارىء البسيط مثلك من ان بعض المفردات تكررت في البيتين فيتصور ان هناك سرقة ولكن الشاعر المطبوع والناقد الدارس يعرف ان ذلك شيء عادي جدا وهذان جرير والفرزدق خرجا مرتدفين على ناقة يريدان هشام ابن عبدالملك فنزل جرير يبول,, فجعلت الناقة تتلفت فضربها الفرزدق وقال:
الام تلتفتين وانت تحتي وخير الناس كلهم امامي متى تردي الرصافة تستريحي من التهجير والدبر الدوامي |
ثم قال: الان يجيء جرير فانشده هذين البيتين فيرد علي:
تلفت انها تحت ابن قين الى الكيرين والفأس الكهام متى ترد الرصافة تخز فيها كخزيك في المواسم كل عام |
فجأء جرير والفرزدق يضحك,, فقال ما يضحكك يا ابا فراس فانشده الفرزدق البيتين فقال جرير: تلفت انها تحت ابن قين,, الخ فقال الفرزدق والله لقد قلت هذين البيتين فرد جرير اما علمت ان شيطاننا واحد الامالي للقالي,, صفحة 239 الجزء الثاني.
ان قوالب الشعر التي يبنى عليها ويقيس على وزنها كل الشعراء محدودة جدا فاذا اتحدت ارواح الشعراء وتقاربت ملكاتهم فقد يقولون ويعبرون وتتساقط عليهم ذات المفردات تلقائيا دون ان يعنوا ويجهدوا في اختيارها وهذا امر لا يعرفه الا شاعر ملهم او ناقد دارس عالم باساليب الشعر ودروبه وليس من المعدل او المنطق ان تفترض ان على كل شاعر ان يلم بكل ما قاله الاولون والاخرون من الشعر حتى لا يقع في المحظور ويكرر ذات المفردات التي سبقه اليها الشعراء من قبل واذا شئت ان تكون ناقدا فلابد ان يكون لديك من سعة الافق ما تستطيع به ان تميز وتدرك امثال هذه البديهيات فلا تقع انت في المحظور فعلم النقد وفنونه لا يتأتى بالكسل والنوم بل بالدرس والدأب والتحصيل واجهاد الفكر والسهر والتعب, يقول ابو هلال العسكري صاحب كتاب الصناعتين قد يقع للمتأخر معنى سبقه اليه المتقدم من غير ان يلم به ولكن كما وقع للاول وقع للاخر وهذا امر عرفته بنفسي فلست أمتري فيه وذلك اني عملت شيئا في صفة النساء فقلت:
سفرن بدورا وانتقبن اهلة
وظننت اني سبقت الى جمع هذين التشبيهين في نصف بيت,, الى ان وجدته بعينه لبعض البغداديين فكثر تعجبي وعزمت على ان لا احكم على الشاعر المتأخر بالسرق من المتقدم حكما حتما كتاب الصناعتين.
وقد قال وهب بن الحارث بن زهرة
تبدو كواكبه والشمس طالعة تجري على الكأس منه الصاب والمقر |
فقال النابغة وهو الحكم الذي تعرض عليه اشعار الشعراء بسوق عكاظ
تبدو كواكبه والشمس طالعة لا النور نور ولا الاظلام اظلام |
فهل يحتاج النابغة الى ان يسرق صدر البيت من غيره كما سئل عمرو بن العلاء إمام اللغة والنحو والصرف عن الشاعرين يتفقان على لفظ ومعنى واحد فقال عقول رجال توافت على ألسنتها
وذلك كمثل قول طرفة ابن العبد
وقوفا بها صحبي على مطيهم يقولون لاتهلك اسى وتجلد |
وهذا هو ذات البيت الذي سبقه اليه امرؤ القيس في معلقته
وقوفا بها صحبي على مطيهم يقولون لا تهلك اسى وتجمل |
والفرق فقط في القافية,, وعندما سئل طرفة عن ذلك قال واقسم انه لم يسمع بيت امرؤ القيس من قبل جمهرة اشعار العرب.
وهذا شوقي بقوة ملكته وألق شاعريته يقول:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا |
وقد سبقه الامام علي كرم الله وجهه فقال:
وما طلب المعيشة بالتمني ولكن الق دلوك في الدلاء |
فهل يعقل ان يقال عن امير الشعراء انه سرق بيت الامام علي,, انه توارد خواطر لمن يعرف الشعر ومسالكه ومنعطفاته واين انت من ذلك.
وبعد: خذ مني هذا الدرس الذي وعدتك به فهذه الامور كما قال القاضي الجرجاني في كتابه الوساطة في مجمل حديثه عن السرقات في الشعر فهذا باب لا ينهض به الا الناقد البصير العالم المبرز وليس كل من تعرض له ادركه ولا كل من ادركه استوفاه واستكمله ولست تعد من جهابذة الكلام ونقاد الشعر حتى تميز بين اصنافه واقسامه وتحيط علما برتيه ومنازله فتفصل بين السرق,, والغصب,, وبين الاغارة والاختلاس وتعرف الالمام,, من الملاحظة,, وتفرق بين المشترك الذي لا يجوز ادعاء السرق فيه والمبتذل الذي ليس احد اولى به وبين المختص الذي حازه المبتدىء فملكه واحياه السابق فاقتطعه.
فهناك السرق الواضح وهو ان ينتحل شاعر بيت شعر او قصيدة لشاعر آخر برمتها ويدعيها لنفسه، وهناك الغصب وهو اغتصاب بيت او اكثر لشاعر آخر رغما عنه كما فعل الفرزدق وقد سمع جميلا ينشد
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا وان نحن اومأنا الى الناس وقفوا |
فقال له: انا احق منك بهذا البيت واخذه واخذه غصبا وادخله في قصيدته الفائية التي مطلعها:
عزفت باعشاش وما كدت تعزف وانكرت من حوراء ما كنت تعرف |
الموشح للمرزباني
ومع ذلك فقد اثبته جميل في ديوانه بهذه الصورة
نسير امام الناس والناس خلفنا فان نحن اومأنا الى الناس وقفوا |
وفي رأيي انه اجمل واوقع بعد ان اغتصبه وطوره الفرزدق ومع ذلك فهذا لا ينفي انه لجميل لفظا ومعنى وقد سبق اليه.
ويقول المعلوط:
ان الظعائن يوم حزم عنيزة ابكين عند فراقهن عيونا غيضن من عبراتهن وقلن لي ماذا لقيت من الهوى ولقينا ويقول جرير في نونيته: ان الذين غدوا بلبك غادروا وشلا بعينك لا يزال معينا غيضن من عبراتهن وقلن لي ماذا لقيت من الهوى ولقينا |
فهذه بعض السرقات كما عرفت وسجلت في تراثنا لانها اخذت عنوة ومع سابق ترصد واصرار فاستمع لما يقوله القاضي الجرجاني في كتابه الوساطة فان سمت بك همة ونازعتك رغبة للنقد فاقتص فيه هذا الاثر وعايره بهذا المعيار فانك لا تبعد عن الاصابة ما لم نعم ما لم تمل بك العصبية ويستولى عليك الهوى والمداهنة فتعلم ايها الاخ اسلوب الكبار ومسار تفكيرهم وخطوط تفسيرهم فهم القدوة لكيلا تتهم الناس جزافا بغير علم ولا معرفة.
والحديث عن السرقات واشكالها طويل يأتي بعد السرق والغصب الاغارة والاختلاس ثم الالمام والملاحظة وصور اخرى واشكال شتى وكلها انماط للسرقات وسوف اشرح ذلك للقراء في مقال آخر ان شاء الله.
ايها العزيز ان الشعر هو قمة الفن ولكي تنقد فنا فانه ينبغي لك ان تكون ملما بقواعد واسس هذا الفن بل ينبغي لك ان تكون مبدعا فيه حتى تستطيع ان تتبين الغث الرث من الحسن الجيد وتعلم مواطن الخطأ والصواب ونصيحة مخلصة اهديها لك,, قبل ان تتصدر للنقد اغرس رأسك في الكتب,, فليس المرء يولد عالما ولا تنفس على غيرك علمه وقدراته وابداعاته فهو لم يصل الى هذا الذي وصل اليه الا بالجهد والدأب والسهر والتعب,, ولا تتصور انك تستطيع احراق ثمرة كفاح الجادين العاملين,, وعرقهم وتعبهم,, ولكم وددت ان اعرف اسباب نقمتك رغم اني لم ارك في حياتي الا مرات معدودة ولو أني قد تعودت أن ينقم علي الذين لايعملون ولا يبدعون ويسوؤهم ان يروا الآخرين يعملون ويبدعون.
ليعذرني القراء فانه عندما فاض بي الكيل مما اسمع واقرأ كتبت قصيدتي الهمزية التي نشرتها في عكاظ ولا لوم على مثلي في ذلك فقد صبرت على اشياء لا يصبر عليها حتى الحليم.
اما قولك بانني قد انتهيت ونضبت وان علي ان اعتزل الشعر وهو هدفك انت من كل ما تقول وتدعي ومرامك ومنيتك فاني احب ان اقول لك اني فعلا لعنت الشعر في سري وفكرت جادا في هجره لأنه عرضني لمن يلوك اسمي بمناسبة وبغير مناسبة لكن الشعر في دمي ولو اني لا اكتب الا اذا انفعلت بحدث ما لهذا فانا من الشعراء المقلين ومع ذلك فآخر قصيدة نشرت لي قبل اسابيع كانت حوالي المئة بيت بقافية واحدة ونشرت على صفحة كاملة في جريدة المدينة ولعلها تكون ردا مفحما لادعاءاتك.
يا قارئي العزيز: آسف لانني اشركتك في مثل هذا الموضوع ولكن ليس الامر بيدي لقد كان علي ان ارد واوضح لكي لا يشكل عليك الامر وسوف اواصل نشر بعض المقالات عن الشعر ونقده كدروس خصوصية اذا سمح لي وقتي ان شاء الله,, لعل ذلك يجدي وعزائي اني سوف اجمع هذه المقالات في كتاب لعله يفيد بني وطني الجادين ويعطيهم بصيصا من الضوء قد ينير لهم الطريق الى معرفة الشعر الحقيقي من النظم البارد المتكلف الذي ملأ صحفنا ومكتباتنا لقد اعطيتهم شعرا سبعة من الكتب بها اكثر من ثلاثمائة قصيدة ومقطوعة ورباعية وارجو ان اعيش لكي اعطيهم اكثر,, شعرا ونثرا,, اذا شاء ربي.
* رشة عطر من شعري
دع عنك ما يشجيك واعص اللوما وانثر قصيدك كالنوار منمنما واصبر على جرح الزمان فربما يلد الزمان من الجروح البلسما واذا بليت بمحنة فاصبر لها ليس الحصيف على البلاء محرما واذا لدغت من الصديق فانما انت الملوم فمن يصادق ارقما |
من قصيدتي الاقزام
* * الجزيرة الثقافية:
برد شاعرنا الاستاذ يحيى توفيق حسن نعتقد ان الموضوع قد اكتمل مقدرين لكل من أبدى رأيا او متابعة ومتطلعين الى استمرار التواصل.