نوافذ آنسكم المطر أميمة الخميس |
قالتها تلك السيدة الحجازية، وصوتها في الهاتف يشتبك مع هدير المطر (آنسكم المطر) قالتها بتلك الدماثة الحجازية المزركشة دوماً بعبارات الود الحميمة وأدعية الرخاء والعافية.
تلك التفاصيل والزخارف الوافرة التي تعطي للحياة بلسماً لطيفاً كهواء (جدة) عندما يباغتها المطر، وعندما تدخل معظم البيوتات الحجازية فيأسرك هذا الكلف البديع بفسيفساء الجمال، والذي يتبدى في تفاصيل جمة من حولنا,, ابتداءً من الدانتيل الناصع الذي يغطي آرائك الجلوس وانتهاء بالاحتفالية الرقيقة التي يقدم بها الشاي.
والأنس هو ضد الوحشة والوحدة والفراق، ويستعمل أهل الحجاز كلمة (آنسكم,, فلان) لكي يهنئوا بعضهم البعض بوصول الغائبين فما بالكم عندما يكون القادم هو,, المطر,, أُنس الشواطئ وطيور الكورنيش، وفسيفساء الجمال المتقن التي لا يجيدها سوى أهل جدة.
شجرة الحضارة قديمة عريقة في الحجاز، لذا أتاحت الوقت لأهلها كي يستظلوا بظلها ومن ثم يجدون الوقت الذي يساعدهم على حياكة التفاصيل الفاتنة في يومهم، والتي سرعان ما تطل عليك في احاديثهم وسلامهم وتهنئتهم، انهم يرفضون ذلك النمط اللاهث الذي يحاول ان يعب أكبر مساحة من اليوم، فيمسخ جميع الأشياء ويسلبها رونقها، حنفية الوقت في معصمهم يسيطرون عليها لحظة بلحظة,, فلا تفر أو تنساب دقيقة دون ان تجير مشروعهم الحياتي الكبير في رصف فسيفساء الجمال.
والصحراء لا تخبئ الكثير من المفاجآت خلف وجهها السري الغامض وتستبدل هذا بنوع من التنشئة التربوية الصارمة لأهلها، لذا لا يملك اهل نجد امام هذا إلا ان يستعينوا بتلك الابتكارات اللامتناهية والتي يطرز ويزركش بها أهل الحجاز مشهدهم اليومي.
آنسكم المطر,, لو تعلم تلك السيدة الحجازية التي قدمت مع المطر,, ان سرباً من نوارس جدة قد ظل يرف طوال الليل خلف النافذة التي كنت ارقب المطر منها,, فآنسكم المطر.
|
|
|