الفنان التشكيلي حمدي محمود حسن يحاول دائما عبر اللوحات ان يعيد اكتشاف ذاته,, ان يبحث عن رؤيا جديدة للعالم بعيدا عن اوزار الآخرين,, اتيح له ان يدرس الفن في ايطاليا احدى معاقل الفن التشكيلي وان يعرض هناك عدة معارض مختلفة,, ودائما يخفي تحت إهابه انتماء لمدرسة الزخرفة الاسلامية رغم احترافه للتصوير.
ومؤخراً افتتح المعرض الجديد للفنان حمدي محمود، وبدا لجمهور الزوار ان السمة الاساسية للمعرض هي البحث عن قيمة تعبيرية وراء التجريد,.
حول هذا المعرض وحول تجربة الدراسة والابداع كان هذا اللقاء لالجزيرة :
الزخرفة الإسلامية والزخرفة الأوروبية
* ماذا عن دراستك بأكاديمية الفنون في روما، وبماذا أفادتك؟
الدراسة هنا تتسم بالتكامل حيث اتاحت لي الاكاديمية دراسة التصوير والنحت رغم ان تخصصي الاصلي في الزخرفة، بجانب انه اتيحت لي الفرصة للتعرف على العديد من الدارسين من جميع انحاء العالم، ولاشك انه امنية اي طالب ان يدرس في الخارج، خاصة في ايطاليا التي تعتبر الدولة الرائدة في الفن التشكيلي,, وقد حصلت على منحة من الحكومة الايطالية للدراسة هناك عام 1983م,, وكان اول درس تعلمته من الدراسة هناك ان يكون الفن نابعا من ذاتي لا أقلد احداً من الفنانين الآخرين، فالفن عملية ابداع تنبع من ظروف الفنان الخاصة وتفرض طريقة خاصة في التعبير كذلك من الجوانب المهمة هناك تلك الحرية في الاتجاهات الفنية المتعددة دون التقيد بأي شيء.
* لماذا تخصصت في الزخرفة على وجه الخصوص؟
كان شغفي ان ادرس الزخرفة والديكور، فالامر كان ميلا شخصيا,, في اثناء المدرسة كنت ارى الفن الزخرفي خاصة في الفن الاسلامي ورسوم المساجد الكبيرة مما جعلني متعلقا بهذا الفن على وجه الخصوص.
* ما أهم سمات الزخرفة الاسلامية,, وماذا تعني الزخرفة بالنسبة للفنانين الايطاليين؟
تتسم الزخرفة بأنها ارتبطت بالمساجد وراء القباب او النوافذ، ومن أهم ما يميز الزخرفة الاسلامية ما يسمى بالأطباق النجمية وهي عبارة عن اشكال نجوم، والالوان تتميز بالالوان الزاهية,, أما الزخرفة في اوربا فإنها تختلف كلية عما لدينا حيث ترتبط بتجميل الميادين والنافورات وكلها عبارة عن رسومات على الاسقف والمداخل والميادين، وهي لا تتسم بالتجريد مثلما لدينا وانما تعتمد على الديكورات وعلى التصوير والنحت,, وهذا فارق جوهري فيما بين حضارتين، حيث يتم في الزخرفة الاوروبية استخدام رسومات معينة وربما يستخدم فيها التجريد حسب اتجاه كل فنان.
فن اختيار الألوان
* رغم دراستك للزخرفة لكنك قدمت اكثر من معرض في فن التصوير؟
المهم في اي معرض يقيمه الفنان هو القيم الجمالية بغض النظر عن تخصصه سواء كان زخرفة ام تصويرا,, وسعي الفنان الدائم إلى الابداع والابتكار يجعله يمزج بين اكثر من مجال,, استفدت من الزخرفة في عملي كمصور سواء من خلال اختيار الالوان الزخرفية او التيمات الاسلامية التي نجدها على الاواني والجداريات وكذلك الكتابات الاسلامية، كل هذه الاشياء ساهمت في تشكيل اللوحة وفي اختيار الالوان التي تعطي بريقا للصورة.
* هناك ميل دائم للتجريد التعبيري في لوحاتك,, ماذا تسعى من وراء ذلك؟
كل فنان في النهاية يختار اتجاها ما يتعامل من خلاله مع اللوحات، ويطرح رؤيته الفنية، واعتقد ان الاتجاه التجريدي هو من اهم الاتجاهات الفنية حاليا, التجريد من اكثر الاتجاهات التي تعتمد على خيال الفنان وابتكاره بعكس بعض اللوحات أو الاعمال التي تكون مجرد نقل لمنظر طبيعي او لصورة وبالتالي يقل ابتكار الفنان، اما في التجريد فإن الامر يتيح لي ابتكار الخطوط والالوان تبعا لذاتيتي الخاصة كفنان,, فربما اتخيل منظرا معينا وأقوم بتكوينه بأدواتي ثم يأتي المشاهد فيقرؤه باحساسه الخاص ورؤيته الشخصية، وهذا يتيح فرصة اكبر لحرية التعبير وحرية التوصيل.
* هل يمكن ان نعتبر التجريد نوعا من الهروب من فكرة المضمون؟
ليس صحيحا ,, لان التجريد لابد ان يحتوي على مضمون والا فإنه ليس فنا,, اي عمل فني لابد ان يقوم على اساس محتوى ما او مضمون ما,, يختلف من لوحة إلى اخرى ومن اتجاه إلى اتجاه.
* وماذا عن طريقة اختيارك لالوانك؟
اختيار الالوان نابع من اللوحة ذاتها، فيكون اختيار اللون وليدا للحظة الابداع التي اقوم فيها بتشكيل اللوحة، خاصة انني لا أتعامل مع مناظر طبيعية او واقعية تقتضي الوانا معينة، بل ان بعض الفنانين قد يميلون لتحطيم الالوان المألوفة بحثا عن رؤية جديدة فمثلا منظر البحر قد يعبر عنه الفنان باللون الأزرق ثم يأتي فنان آخر فيعبر عنه باللون الاخضر مثلا,, والالوان المفضلة لدي هي الالوان الزيتية دون تفضيل للون معين على آخر,, ولكني دائما اسعى للتناسق ما بين موضوع اللوحة واللون المستخدم، وان كنت بشكل شخصي افضل الالوان الفاتحة مثل الاصفر والبرتقالي لانها اكثر جاذبية ولأنها دائما ترمز إلى الحياة.
النظرة الأخرى
* عندما تسافر إلى الخارج وتعرض في ايطاليا مثلا كيف ينظر المتلقي الأوروبي الى الفن التشكيلي العربي؟
بالنسبة للجمهور الاوروبي فإنه يعشق الفن، حتى ان الشباب والاطفال يحرصون على المشاهدة، وتحرص كل اسرة على اقتناء بعض الاعمال الفنية، ومن خلال الاحتكاك بالجمهور والمعارض خاصة في اوقات الصيف حيث يكون الاقبال اكثر على رؤية المعارض فبالاضافة إلى روما اقمت عدة معارض بالجزر الايطالية واليونانية مثل اسكيا ورودس وكذلك بلدية انسيو,, كما يأتي إلى تلك الجزر كثير من الاجانب مثل الالمان والامريكان والنمساويين، ويحرص اغلب هؤلاء على اقتناء الاعمال الفنية, وعادة ما يشتري المتلقي من الاعمال ما يتذوقه فحسب فهناك من يفضل الاعمال الطبيعية وهناك من يفضل الاعمال التجريدية، ويتسم المتلقي الاوروبي بالخبرة الشديدة بالفن التشكيلي سواء كابداع او كسوق,, وفي اوقات كثيرة عندما اتجول في تلك البلدان الساحلية افضل ان اقوم برسم بعض المناظر التي تظهر جمال الطبيعة والبحر او الميادين او الاماكن التاريخية,, فأنا أفضل الاحتفاظ برسوماتي تلك من قبيل الذكريات الجميلة بدلا من شراء كارت بوستال عن تلك الاماكن.
* وما اهم المشاكل التي تصادفك لتقديم معرض بالخارج؟
المشاكل التي تصادفني عادة مشاكل روتينية، فمثلا عند التمثيل الخارجي على مستوى الدولة يتم التركيز علىفنانين بأعينهم دون اتاحة الفرصة للآخرين، ومن المشاكل الاخرى التي تصادفنا الاجراءات الجمركية ومصاريف الشحن, واعتقد ان التواجد السياحي قد يوفر لنا المتلقي الاجنبي دون ان نذهب إليه,.
ومن هنا اقترح ان يكون هناك تنسيق بين الادارات الثقافية والسياحية من اجل تكثيف زيارات للاجانب للمعارض التشكيلية والمتاحف المختلفة، مع توفير الدعاية الكافية من اجل اظهار الحركة الفنية بشكل افضل، خاصة وان الاوروبيين بالفعل يعشقون الفن التشكيلي وما علينا فقط كعرب سوى ان نقدم انفسنا، لاننا في نهاية المطاف جزء من الحركة الدولية,, فلماذا لا تقام معارض ومراسم في الاقصر أو في اسوان ولماذا لا يتم تبادل المعارض التشكيلية على مستوى العرض العربي بصفة دورية.
* هناك اتهام بأن الجمهور العربي يعيش قطيعة مع الفن التشكيلي لانه نسخة مزيفة للموضات الغربية؟
هذه فكرة خاطئة لانه من الصعب على اي فنان ان يقلد أحدا، ولو حدث هذا فإن قومسيير المعارض يستبعد اعماله لانه مقلد ومزيف، ربما يحدث هذا لكنها في النهاية فئة قليلة للغاية، وربما يكون سبب القطيعة بين الفنان والجمهور هو عدم وجود الحس الفني لدى الناس وكذلك الحالة الاقتصادية التي لا تسمح لأي عائلة ان تقتني عملا فنيا,, ومن الممكن حل هذه القطيعة من خلال الاعلانات في الاجهزة المرئية والسمعية، وكذلك ان تعرض اللوحات في اماكن التجمعات سواء للسياح او للجمهور العربي,, حيث ان عددا كبيرا من الناس ليس لديهم ادنى فكرة عن اماكن المعارض الفنية والقاعات المختلفة.
شريف صالح