قال بعض العلماء رحمهم الله ليس للقلوب انفع من زيارة القبور وخاصة اذا كانت قاسية فعلى اصحابها ان يعالجوها بثلاثة امور:
احدها: الاقلاع عما هي عليه من غفلة وتقصير وحضور مجالس العلم والوعظ واخبار الصالحين.
الثاني: ذكر الموت فان تذكره يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ويذهب الفرح بالدنيا ويهون المصائب فيها.
الثالث: مشاهدة المحتضرين، فان في النظر الى الميت حين يحتضر ومشاهدة سكراته ونزعاته وتأمل صورته حال مماته يقطع عن النفس لذاتها ويمنع الاجفان عن النوم والابدان من الراحة ويبعث على العمل.
وزيارة القبور للرجال مشروعة ومتفق عليها عند العلماء، اما النساء فقد ورد النهي عن ذلك، وانه صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج، جاء في صحيح الامام مسلم رحمه الله عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر امه فبكى وابكى من حوله فقال: استأذنت ربي ان استغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في ان ازور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فانها تذكر الموت وفي رواية لابن ماجة عن ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة ، والذي يظهر من هذه الرواية ان النبي صلى الله عليه وسلم قرن الحكم بعلته كما عند علماء اصول الفقه بمعنى ان زيارة القبور والمقابر ترقق القلوب وتقصر الامل في الدنيا وتذكر بالفناء وتزيد في الزهد بالدنيا وما عليها، والتعلق بالآخرة الباقية، كما ان في تلك الزيارات ردعا عن الغفلة وتنبيها من النسيان وعلاجا ناجعاً للقلب كما ان ذلك حاصل بمشاهدة من حضرته الوفاة, وينبغي للمسلم اذا اراد زيارة القبور ان يتأدب بآدابها ويعقد النية الحسنة في ذلك ولا يكون حظه منها الطواف على الاجداث فقط، بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى واصلاح فساد قلبه او نفع الميت بالدعاء له ويبتعد عما يفعله القبوريون من الشركيات والبدع كدعاء الاموات وطلب شفاعتهم او التبرك بترابهم او قراءة القرآن واستدبار القبلة الى غير ذلك مما درج عليه عوام الناس وغيرهم في بعض بلاد المسلمين.
كما ينبغي للزائر اجتناب المشي على المقابر والجلوس عليها والسلام على الموتى اذا دخل المقبرة او مر بها قائلا: السلام عليكم دار قوم مؤمنين يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، واذا وصل الى قبر ميت يعرفه خصه بالسلام قائلا: عليك السلام كما ورد بذلك الادب النبوي: أيها الناس اما آن للنائم ان يستيقظ من نومه، اما آن للغافل ان ينتبه من غفلته قبل هجوم الموت عليه بمرارة كأسه وقبل سكون حركاته وخمود انفاسه ورحلته الى قبره وارماسه.
فاعتبروا يا أولي الابصار.