ذات ليلة شتائية قارسة البرودة يخيم السكون المرعب المشحون بشيء من الرهبة والخوف لمعظم اهل القرية,, وكعادتها تغفو كل ليلة على ظلام دامس اشبه بالكابوس,, يكتسيها كل مساء منذ فجر التاريخ,, دون فرق بذلك صيفا او شتاء,, او ان ذلك فقط يرجع الى عوامل تلك الليلة الدجوجية وهذه الايام وانما ظلام من الجهل والخوف والجوع والفقر والمرض,, وحالها بانتظار حلم نوراني سيحل بها ويزح هذا الكابوس الجاثم على صدرها بشراسة, اصوات مخيفة ومتقطعة لبعض الحيوانات الاليفة كالدواب والكلاب والقطط يخالطها اصوات بشرية متباعدة وغير مفهومة رائحة الحطب المشتعل وغالبا ما يكون من جريد النخيل ومخلفات البساتين تعبق في شارع هذا الحي العريق , وفي باحات الدور المترامية الاطراف بجدرانها وبواباتها القديمة, واعمدة الدخان تنبعث من الغرف الطينية ومن خلال فتحة بالسقف تعرف بالسوامة او من خلال نوافذها الصغيرة المرتفعة بمحاذاة الاسقف تعرف بالبرجة يشاهد معها بصيص من الضوء, الناس هنا اسر صغيرة كونها قليلة الافراد كل في داره يلتفون حول نار بسيطة تكاد ان تنطفىء وهي تغذى في هدوء تام باعواد الحطب من العوز وامام ذلك المصباح المشعل التقليدي البسيط كضوء الشمعة, او ذلك الفانوس السحري السراج القديم, معلقا في حائط الغرفة, ويستضاء بهما وكلاهما يعبأ بالكيروسين والمتحصل عليه بصعوبة بالغة وقد يكون سعيد الحظ من لديه كمية قليلة فقد تكفيه شهورا طويلة.
فبينما ع ذلك الصبي الحاذق والوحيد لاسرته ابن العاشرة من العمر مستلقيا إلى جانب امه وترتيبه الوسط بين شقيقاته الخمس, يسترق السمع لحديث جارتهم العجوز المرحة والمحبوبة من كل اهل الحي وتعرف بالقرمة على صلة بقريبتها وجارتها ام هذا الصبي واخواته.
وقد تضفي هذه الصلة شيئا من الطمأنينة لجارتها وعدم شعورها بالضعف او الوحدة امام وحشة القرية الكاسرة والظلام الدامس في كل الاوقات, وبما ان والدهم في الغربة طالبا للرزق صوب ما يعرف بالغربية وهي بلدان الشام والاردن وفلسطين مجتمعة, وما ان يقرر الغربة ليتركهم وصية ويودعهم امانة في عنق ابناء العجوز الثلاثة ووالدهم المسن, والمرتبطين بالعناية وسقاية حلالهم الوفير من الاراضي الزراعية وبساتين النخيل, مع العناية بحلال اقاربهم من اهل الحي لان معظمهم اما بالغربة غائبون او خارج القرية بالبر خلف ابلهم واغنامهم وكون هذا المسن وابنائه مسؤولين عن قسمة العين هذا الماء الجاري وهي احدى العيون المنتشرة بكثرة في القرية منذ القدم ويعرف تقسيمهم لماء العين هذا بالحسبة واعلام اهل الحي في موعدهم للري, وكأقارب له ولاولاده , وهو ما يكون عليه غالبا معظم الاسر في القرية وفي الحي الواحد تجمعهم وشائج قربى, ويصبح الحي بأسره عائلة واحدة والاحياء جميعها مترابطة, وبينما تفضي العجوز لجارتها في الحديث باسهاب عن حالة امرأة اخرى من اهل الحي, والمكلومة بعارض صحي مفاجىء ومنذ ايام قلائل, وكلاهما تبدي الشعور بالتعاطف معها, وانها في حالة صحية صعبة, تتعذب وتتلوى مما الم بها, واضعة يديها على صدرها من شدة المعاناة, وهاهي الآن في ديمومة من امرها, ولوله واحاح, ينكسر لها اقسى القلوب ويكاد يجهش لها بالبكاء كل شيء جماد, ومعظم اهل الحي يسمع ذلك او شاهد هذه المرأة وما الم بها, ويساورهم القلق عسى ان يفعلوا شيئا تجاهها ويظلون دون جدوى يحيط بهم ذلك الكابوس الجاثي ويتملأهم من كل صوب, حينها يعرف الصبي ان الحديث يخص تلك المرأة المكلومة وقد شاهدها مع امه حين قامت بزيارة لدارهم في وقت سابق ويحزن من كل قلبه بما استرق له سمعه ويغفو عند هذا المقطع من الحديث حزينا على همساته المنومة بين العجوز وامه, ويعتري العجوز الملل مما يبدو انها تأخرت هذه المرة في الزيارة, ويمتلئها شعور بالكراهية للخروج من هذا الدفء, وهي تذكر الصقيع في الخارج وبينما الوقت متأخرا وفي الهزيع الاول من الليل, ينطلق ذلك الصوت المفزع والحزين ليدب الفزع فيهما, وجميع اهل القرية على ذلك الصوت, صوت المنادي , وهو يصيح وتتعالى معه الصيحات لرجال ونساء من احدى الدور بأطراف الحي, مناديا الفزعة يا اهل الخير, الفزعة يا النشاما جزاكم الله خير .
ويضج سماء القرية بهذا الخطب الجلل لتستفيق القرية من غفوتها ويهب الجميع بتثاقل وهذه الاجواء القارسة , ويتناسلون من دورهم اشبه بجموع البطاريق على ذلك الشاطىء وهم يكتسون الاردية واللفافات الثقيلة السوداء الفراء ملثمين من شدة البرد ومعظمهم يحملون الفوانيس متجهين صوب دار المنادي, وهاهو كئيب امام بوابة داره الحزينة ينحب زوجته المرأة المكلومة قائلا: سقطت الليلة الدجوجية بكل معانيها, لتلقى حتفها بعد ان رمت بنفسها قسرا وهربا من عارض المرض ذلك الشبح المجهول وهو يتأجج في جسدها كالنار والحطب لتسقط في الجب احدى الآبار الواسعة العميقة والمطوية من الحجر ويعرف بالبحر على مقربة من الحي في ذلك الحيز الوسط بين دور القرية وبساتين النخيل الصور, وهذه الآبار القديمة منتشرة بكثرة فيها, بعضها جاف وبعضها فيه ماء, ويزداد الظلام ظلمة حالكة ويرتسم الوجوم على وجوه الجميع, يتملكهم غريزة من الشجاعة وكعادتهم في مثل هذه النوائب يجب التصرف حالا وفورا ينهى كل شيء, ويقرر اثنان من الرجال الذهاب للبحث عن رجل مشهور من ابناء البادية كأجير لانزاله في الجب, وما ان يدخلان في مضارب تلك الخيام السوداء بيوت الشعر وهي تحيط بالقرية وفي مشارفها ولكنها غير واضحة مع الظلام, لولا اضواء القبس المنتشرة طوال الليل هنا وهناك, ويؤتى بهذا الاجير ويربط جيدا في حبل قوي وطويل يعرف بلمرسه او الرشاء وينزل في الجب لينتشل المرأة المكلومة , والضعيفة امام هذا القدر, وهي جثة هامدة, وتظل القرية في حالة مأتم شديد الحزن طوال ليلتها وايام قادمة وربما اشهر من شدة المأساة, وبينما يظل الصبي ع غارقا في حلمه ويمر الوقت وتمضي الايام والشهور اشبه ما يكون بالخيال, ويكبر الصبي وقد ادركته السنون ليفوق فجأة وليس بالمصدق مندهشا وهو يرتمي بأحضان حضارة مشرقة ويمضي رافعا يديه للسماء وهو يذكر حلمه القديم ويهمس لنفسه قائلا: شكرا لك يارب ,.
جزاع موسى التركي
** القصة في مجملها متوسطة المستوى وذلك يعود الى ان الصديق جزاع اغرق نفسه في التفاصيل البسيطة وتناسى الفكرة الاساسية للقصة؟!,.
فاذا كانت افتراضا المرأة المكلومة هي بطلة القصة ومحورها,, فلماذا لم تحظ الا بآخر سطور القصة؟!
هناك بعض الالفاظ الغريبة التي ظهرت في القصة مثل الليلة الدجوجية وهذا بدوره يخلق علاقة متوترة بين القارىء والنص عندما تتبدى بعض الالفاظ غير القابلة للفهم.
كما ان الاشارة الى الصبي عبر رمز ع هو امر غريب جدا! فهل هناك مشكلة لو اسماه مثلا بعبدالعزيز او عبدالله او عبادي,, الخ تلك القائمة الطويلة من الاسماء المختلفة؟!
نعتقد بان لدى صديقنا جزاع الموهبة الحقيقية في كتابة القصة وهذا يتضح لنا من اسلوب كتابته لهذه القصة,, ولكن تنقصه الدراية بالحبكة الدرامية في القصة,, وهذا ما سيستطيع ان يمتلكه متى ما قرأ كثيرا وكثيرا في مجال القصص القصيرة عربيا وعالميا.