الناس في هذا العالم يبحثون عن الجديد يملأ الأسواق، لكن المشكلة هي إننا بعد كل هذا التطور الحديث في الأدوات، نجد أنفسنا مشدودين لكل ما يرد الى السوق، ونحاول شراءه مهما كلفنا الأمر.
من هنا برز دور التقسيط بشركاته ومجالاته المتعددة سواء في مجال العقار او السيارات أو الأثاث او الادوات الكهربائية أو حتى الزواج والسفر.
بعض المستهلكين يفرح بشراء الجديد بالتقسيط وينسى أنه سيدفع ثمن هذه الفرحة باهظاً اذا لم يستطع التسديد ولن يشفع له اغراءات الإعلان وتشويق الدعاية.
لقد تحول التقسيط من حل لمشكلة الحصول على منزل أو سيارة او علاج او زواج أو تذكرة سفر الى دهاليز الترف وحب التباهي والتفاخر، فكانت النتيجة مطالبات قضائية وإفلاس وديون متراكمة.
فماذا يفعل المواطن ان هو احتاج لمبلغ من المال لشراء سيارة او اثاث او ارض في الوقت الذي لا يملك فيه ذلك المبلغ، سوى أن يذهب الى احدى شركات التقسيط للحصول على قرض يفي بحاجته، وطبعاً يعود محملاً بنماذج طلبات القروض وقوائم الشروط أو الضمانات.
وفي البيت يبدأ المستهلك حساباته التي تشاطره مأكله ومشربه، معتمداً على مظاهر الافادة التي اخذها من شركات التقسيط ويبدأ في مقارنة العروض والخيارات التي أمامه ليستفيد من اي خفض في نسبة العمولة.
أما نسبة العمولة فحين يسأل المستهلك أحد العاملين في مجال التقسيط عن النسبة يأتي الجواب بكل حنان وصدق (نحن نأخذ 10% فقط؟!) ومن ثم فلا يملك الا الدعاء لشركات التقسيط التي يسرت للمحتاجين هذه المبالغ التي لا جور فيها ولا إجحاف, ويبقى الظاهر غير الباطن، والقول غير الفعل، والنسبة المعلنة غير الحقيقية.
وحين يريد مستهلك معين قرضاً قدره تسعون الف ريال مثلاً، من احدى شركات التقسيط، يقال له إن النسبة (نسبة العمولة) 10% في السنة والتسديد يكون على ثلاث سنوات، فيوافق على ذلك ليبدأ عملية الحساب التي لا ترحم على النحو التالي:
نسبة ال10% بالنسبة للقرض تساوي تسعة آلاف ريال في السنة، ثم تضرب التسعة في ثلاث سنوات، ليكون المجموع سبعة وعشرين الف ريال.
وهنا مكمن الخطأ والوقيعة ومن ثم الفخ لأن السنة الأولى يفترض عمولتها فعلا تسعة آلاف, اما السنة الثانية فالعمولة يجب ان تكون ستة آلاف، وفي السنة الثالثة ثلاثة آلاف، ومن ثم تصبح العمولة حوالي ثمانية عشر الفاً وليس سبعة وعشرين.
لقد قامت احدى الصحف بجولة في مدينة الرياض للتعرف على شركات التقسيط ومحاولة جمع معلومات تقريبية ترصد هذه الظاهرة (ظاهرة التقسيط) وحصلت على مجموعة من النتائج المهمة منها:
1 50% من السكان دون سن الثلاثين من المقبلين بشكل مكثف على التقسيط.
2 نسبة النمو السكاني تصل الى 8% سنوياً مما يعني تزايد هذه الظاهرة في الأعوام القادمة.
3 يبلغ حجم الطلبات على التقسيط ما مجموعه 1000 طلب شهريا لدى شركات التقسيط في الرياض فقط.
4 تتراوح قيمة القرض المقدم الى المستهلك الواحد في عمليات تأثيث المنزل مثلاً بين 40 70 الف ريال وتصل في بعض الحالات النادرة الى مليون ونصف مليون ريال.
5 95% من المتقدمين بطلبات التقسيط هم من موظفي الدولة حيث لا تقبل بعض الشركات الطلبات المقدمة من أفراد يعملون في شركات او مؤسسات اهلية.
6 الحاجة الشديدة الى شراء سيارة او منزل او عقار او اثاث وما شابه ذلك دعت الى بروز شركات التقسيط وانتشارها فلاقت رواجا كبيراً واقبالاً متزايداً من الناس.
إن شروط شركات التقسيط تختلف من شركة لأخرى الا ان معظمها يشترط احضار صورة من هوية الكفيل والمشتري وتوقيع سند لأمر الشركة بقيمة البضاعة مصدقاً من جهة العمل أو البنك الذي يتعامل معه المشتري والكفيل اضافة الى توقيع الكمبيالات من طرف المشتري.
وبعض الشركات تشترط شهادة تعريف من مكان عمل المشتري، وألا يقل راتبه عن خمسة آلاف ريال سعودي.
وبالرغم من الحرص الشديد الذي تتبعه شركات التقسيط للحصول على حقوقها من المشترين عن طريق التقسيط بيد أن عدد الذين يتهربون عنهم أو يتأخرون في دفع الاقساط يتزايد كل يوم.
وبالتالي ستزيد الاجراءات النظامية والقانونية التي تتخذها هذه الشركات ضد اولئك العملاء والمشكلة ان نسبتهم وصلت في احدى الشركات الى 30% يبحث عنهم وعن عناوينهم حالياً عن طريق الحقوق المدنية ومكاتب الشرطة.
وتعتبر طرق التحصيل العامل المشترك الذي يربط بين جميع شركات التقسيط, فقد اضطرت احدى الشركات خلال الفترة الماضية الى رفع دعاوى ضد عملائها في السوق وما زالت تلاحقهم في المحاكم واقسام الشرطة, إن اللافت للأنظار تعدد أشكال سلع التقسيط فهناك الاجهزة المنزلية والسفر والزواج والعقار والاثاث والعقار والاراضي واجهزة الحواسيب والسيارات.
حيث تعتبرمثلاً سوق تقسيط الاجهزة المنزلية في السعودية أكبر الأسواق العربية المماثلة وتحرص شركات التقسيط في السعودية على اتباع افضل الوسائل واضمنها لتوفير أكبر عدد من العملاء.
لذا تدخل جميع الاجهزة المنزلية في اطار البيع بالتقسيط وأهمها: التلفزيونات والمكيفات والافران والغسالات والثلاجات والمطابخ والأدوات المنزلية وكاميرات الفيديو وما شابه ذلك.
ومع تغير أنماط الحياة تغيرت سلوكيات الناس وتعقدت تباعا لذلك خططهم وافكارهم ولأن الزواج من الآمال التي يتطلع اليها الشباب فإن الرغبة فيه تجعلهم يفكرون في تكاليفه الكبيرة.
ولأن ظاهرة المهور الغالية تشكل أهم الاسباب التي تدفع الى طلب الشباب السلف والاقساط لتدبير المبالغ المطلوبة للزواج وتأثيث منزل الزوجية لذا كان الاقبال على الشركات والجمعيات المهتمة بالزواج كبيراً وباتت مشروعات الزواج فرصة لبعض الشركات لتستثمر اموالها من خلالها في صورة تقديم قروض للشباب لتجهيز وإعداد عش الزوجية, ويأتي تقسيط السفر في دول الخليج وفي هذه السنوات في مرتبة متقدمة من اهتمام شركات التقسيط خاصة وانه يوجد في المملكة أكثر من ثلاثة آلاف وكالة للسفر والسياحة بما يعني انه توجد وكالة سياحية لكل خمسة آلاف شخص تقريباً.
في حين أنه توجد وكالة سياحية واحدة لكل خمسة وعشرين الف شخص في امريكا مثلاً والعهدة بالنسبة لهذه الارقام على الاستاذ داود الشريان.
ختاماً أقول: إن السوق السعودي خاصة وفي ظل هذه الاوضاع في حاجة ماسة الى مراكز معلومات هدفها التنسيق بين شركات التقسيط وحماية المستهلكين من فخوخ التقسيط وتبادل المعلومات بين شركات التقسيط, ومن الاهمية بمكان أن تعتمد هذه المراكز على التطور التقني الحديث والثورة الحاسوبية الجديدة من اجل ربط مركزي بطرفيات متعددة تتاح للمستفيدين في مختلف المناطق.
وأظن أنه قد آن أوان ذلك.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية
* عضو جمعية الاقتصاد السعودية