عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,.
تنفس العالم الصعداء بانقضاء الألفية دون كوارث، وثبت بما لايدع مجالاً للشك ان العقل الإنساني يملك بفضل الله عناصر قوة كبيرة,, يستطيع من خلالها تدارك الكثير من المشكلات، والتغلب على العديد من الصعوبات، مهما كانت المعوقات، ومهما صعبت السبل والطرقات.
مشكلة الألفية الجديدة، كما تابعنا، اتسعت في احتمالاتها لتشمل كل مناشط الحياة دون استثناء، والسبب ان التقنية الحديثة جعلت الحاسوب يدخل في كل مرفق ومنشط حياتي، بدءا من ساعات المعصم مروراً بالمصاعد الكهربائية وانتهاء بالأزرار النووية!!
ولعل الأزرار النووية كانت أكثر الاخطار تهديداً للحياة، رغم ان جميع الناس انشغلوا بالجوانب المالية دون غيرها، اذ وضع اصحاب الأموال والارصدة الضخمة أيديهم على قلوبهم، وسعت جميع مصارف العالم لطمأنة عملائها بأن كل شيء سيسير على مايرام، وان لا ضرورة للخوف على حقوق الناس,, بل اعطت البنوك كشوفات ارصدة لكل عميل حسب الطلب، وذلك قبيل الألفية الجديدة,, حتى يطمئن هؤلاء العملاء الى ان حقوقهم ستثبت لهم اذا ما وقع خلل تطيش عقول الحواسيب جراءه أو تفقد صوابها بسببه,!!في غمرة ذلك التربص والتحسب لمشكلات الألفية,, جهل الكثيرون او تجاهلوا لا فرق مشكلة الترسانات الذرية التي تختزنها بعض بقاع الأرض، والقادرة على تدمير هذا الكوكب عدة مرات إذا ما خرجت عن السيطرة وانفلت عقالها,نعلم جميعاً ان الاتحاد السوفيتي السابق بزعامته لحلف وارسو المنحل كان يعيش صراعاً حقيقياً مع الولايات المتحدة وحلف الأطلسي فيما سمي بالحرب الباردة، ونتيجة لذلك نشب سباق التسلح المعروف بين الكتلتين الاشتراكية والرأسمالية,, وتم نصب الصواريخ العابرة للقارات والحاملة للرؤوس النووية الضخمة,, تلويحاً للآخرين بإمكانية استعمال خيار القوة، وردعاً للخصوم من توجيه ضربات استباقية تجر عليهم فيما بعد الويل والبال!!
استمر سباق التسلح ردحاً من الزمن,, وكان ذلك الاستمرار كفيلاً بتضخم التركة النووية الى حد التشبع,, وعندما تفكك الاتحاد السوفيتي ومعه حلف وارسو، ورثت روسيا ترسانة أبيها الراحل، واصبحت هي المسيطر على الازرار النووية للصواريخ الموجهة في معظمها الى الولايات المتحدة وبعض عواصم اوروبا الغربية.
وفي المقابل,, ظل رصيد الولايات المتحدة وحلفائها من السلاح النووي هائلاً، ولم يفلح انتهاء الحرب الباردة في إبادة السلاح النووي لدى كل الاطراف رغم التخفيضات الجدية على الصعيدين الامريكي والروسي وفي غمرة اللهاث صوب تطويق مشاكل الالفية في مجال الحاسوب، التفت اصحاب القوى المدمرة الى ورطة السلاح النووي، وبدأت ملامح الرعب النووي تتضح تدريجياً.
كانت كل السيناريوهات محتملة، فالحواسيب النووية قد تفقد صوابها,, وترتبك قراراتها، فتعطي أوامر عشوائية بإطلاق الصواريخ النووية تجاه عدو وهمي,, كما ان حواسيب الآخرين قد تتلقى إشارات بهجوم نووي وشيك,, فتستجمع قواها,, وترسل اشاراتها بضرورة الرد الفوري ودون إذن مسبق,, فتنطلق صواريخها النووية هي الاخرى.
كان ذلك السيناريو المرعب محل قلق حقيقي لدى المختصين وأصحاب القرار في الكتل النووية، ورغم انهم لم يسعوا لتضخيم الحدث خوفاً من بث الرعب وسط الناس، إلا ان قلقهم ظل متأججاً، واستمر سعيهم حثيثاً لاحتواء مثل هذه الاحتمالات الخطيرة.
لقد انضم علماء روسيا الى علماء الولايات المتحدة، وعملوا في تنسيق كامل ولاهث، من أجل تلجيم الغول النووي من الانفلات.
أخيراً لقد انكشف حجم الخطأ البشري الذي وقع حين تسابق بنو الانسان لتربية الغول النووي وتغذيته ونفخ عضلاته,, انكشف ذلك الخطأ المريع بعد أن أصبح الغول مارداً لا يأمن أحد السيطرة عليه، ويستطيع ان يفتك بأصدقائه واعدائه دون تفرقة بين هؤلاء وأولئك!!
والحمد لله ان الكرة الأرضية عبرت الألفية دون كوارث نووية ماحقة تسحق كل مابناه الانسان عبر العصور والقرون حتى يصل الى حضارته المرفهة الحالية!!
فهل رأيتم كيف نشب الرعب في حلوق من صنعوا الرعب في قلوب الناس؟ وهل رأيتم كيف ان لعنة السلاح الجبار قد تلحق بالجميع دون استثناء اذا انفلت لجامها وجمح عقلها؟
إن المناداة بإزالة اسلحة الدمار الشامل من على سطح الكرة الارضية لم تكن نتيجة خوف احد من احد بقدر ماهي نداء بشري انساني بأن يحافظ الإنسان على (الحياة) في هذا الكوكب، وان يسعى الناس لصون حضارتهم من الغناء بأيديهم,.
لقد كان درس الألفية قاسياً لكل ذي لب وفؤاد، ولعله يُنتج آثاراً ايجابية اذا مابقي صداه يعتمل في النفوس,.
ان العقلاء الذين ظلوا ينادون بأن تكون منطقة الشرق الأوسط بكاملها خالية من اسلحة الدمار الشامل,, استشعروا خطورة هذه الاسلحة على الحياة برمتها في المنطقة، كما استشعروا خطورة اندلاع سباق تسلحي في هذا الجانب، فتذهب الأموال هدراً في مصادر لاتجر إلا الفناء، ويصبح امن الإنسان في كف عفريت يسعد باندلاع النيران وامتداد الحرائق!!
ليت كل منطقتنا تتخلص من تركيم اسلحة الدمار الشامل، بل ليت العالم كله يتخلص من الترسانات المهولة المخصصة لإفناء الحياة وابادة البشر، فلقد كان درس الألفية كافياً لايقاظ العقول المسترخية والضمائر النائمة,, وحان الوقت لأن نكون أكثر عقلاً وعقلانية أمام العفريت النووي الذي بدأ يطرق كل أبوابنا بقوة وعناد!!
علي العربي
الرياض