Thursday 20th January, 2000 G No. 9975جريدة الجزيرة الخميس 14 ,شوال 1420 العدد 9975



هكذا
المعادلة الصعبة,,, أيضاً
فهد العتيق

* كل كاتب حقيقي في داخله ناقد كامن، بل كل فنان، ولنقل كل إنسان راغب في تطوير ذاته، لابد ان يكون في داخله ناقد كامن, واجتماع هاتين الصفتين او الملكتين داخل ذات واحدة يمثل كما يقول رينيه ويليك : وجهاً من وجوه الصراع الداخلي بين الغريزة والعقل، ويعبّر عن ذلك ايضا الشاعر العراقي علي جعفر العلاق بقوله: هكذا يجد الكاتب الناقد نفسه ملتقى حركتين متضادتين في ذات الوقت حركة تتجه الى الآخر وحركة تتجه الى الذات الكاتب يبني ويحلم ويهيم والناقد الداخلي يفكك ويحلل ويستقصي وهو في منتهى صحوه الحسي والمعرفي .
وكل هذا من اجل أن يقدم هذا الكاتب وهذا الفنان ما يرضي المتلقي ويرضي الناقد في داخله أيضاً، وهذا مايعود بنا إلى موضوع المعادلة الصعبة التي يريد ان يحققها كل فنان سواء كان كاتباً أو مخرجاً أومغنياً، بمعنى ان يحاول الكاتب مثلاً تقديم عمل يرضي أو يقترب من ذائقة الجماهير دون ان يتخلى عن مستواه الفني الذي يعني في الكتابة أدوات الكاتب من لغة وصياغة وتقنية عالية في تقديم الصور أو الحالات الابداعية في النص الادبي بالاضافة الى الموقف الملتزم والجاد تجاه قضايا الإنسان وهمومه، وتعني ايضاً بالنسبة للعمل الدرامي جدية في الموقف العام للعمل تجاه القضايا الاجتماعية المطروحة ولكن بطريقة فنية قريبة من رغبات المشاهد في رؤية كوميديا الموقف الساخر الذي يعطي طراوة وروحا مرحة لهذا العمل.
وصعوبة الوصول لهذه المعادلة الصعبة سببها انه ساد ولايزال مفهوم تجنيس الاعمال الادبية والدرامية قروناً طويلة قبل ان نصل الى فكرة (الكتابة عبر النوعية) كما يسميها الناقد إدوار الخراط، أو الكتابة ضد التجنيس الادبي، وعلى مستوى الدراما التمثيلية أعمال غير مصنفة، إذ ولى زمن تصنيف الاعمال الى كوميدي وتراجيدي واجتماعي وغيرها من التصنيفات التي لامعنى فنياً لها، والدليل ان السنوات الأخيرة انجبت لنا افلاما سينمائية تجد فيها الموقف الجاد او التراجيدي وينطلق من داخله كوميديا موقف ساخر وهو عمل اجتماعي اولاً واخيراً، وهذه النوعية من الافلام الجديدة او الحديثة يفترض انها اسقطت تلك التصنيفات القديمة للافلام، اسقطت فكرة ان يكون هذا الفيلم كوميديا بحتاً أومأساوياً بحتاً أو عمل يقع في المنطقة الوسطى ويُسمى فيلماً اجتماعياً واصبح الفيلم عملاً اجتماعياً واصبح الفيلم عملاً درامياً متكاملاً.
هذا ايضا ينطبق على الكتابة الأدبية إذ قرأنا في السنوات الأخيرة كتبا نثرية جميلة تجد بداخلها الشعر والسرد وروح الرواية وحوارات المسرح واضاءات السينما، اي كتابة نثرية غير قابلة للتجنيس لكنها تحمل هموماً إنسانية رائعة بلغة وصياغات فنية عالية وهذا هو المهم.
ويتطلب الوصول الى تحقيق هذه المعادلة الصعبة في الكتابة الأدبية وفي العمل الدرامي تراكم خبرات وتجارب تضمن إمكانات للكاتب لضمان نجاح العمل في اكتساب حب المتلقي دون ان يتخلى عن شروطه الفنية الهامة او لنقل ليحقق اشتراطات الناقد الذي يهمه القيمة الفنية والموضوعية في المقام الاول، في نفس الوقت الذي يجد فيه رضا الجماهير, وحين تتحقق هذه المعادلة في أي عمل يصبح عملاً ناجحاً بكل المقاييس، لكن بعد عذاب المثابرة والجد والإخلاص والمتابعة والاحتشاد الوقتي والفني والثقافي، أي بعد تراكم كل هذه الخبرات حتى يتمكن الكاتب من إبداع عمل أدبي قادر على الوصول الى الجميع ببساطة وبأدوات فنية راقية ايضا.
وربما اثار هذا الموضوع بعض الكتابات التي دارت حول تجربتنا الدرامية التي لاتزال طفلة رغم عمرها غير القصير لأسباب معروفة والتي تتراوح بين الجدية الخالصة أو الفكاهية الخالصة، إذ يرى البعض أن المشاهد بحاجة إلى عمل كوميدي للضحك والراحة والمتعة، فيما يرى آخرون ان المشاهد بحاجة الى اعمال تمثيلية جادة ونقدية وهادفة.
وطبعاً هذه الأعمال الدرامية يفترض ان تكون اساساً مادة ادبية مكتوبة قبل أن تتحول الى دراما تمثيلية، وهذه الكتابة ينطبق عليها السؤال أيضاً هل هي جادة وهادفة أم أنها كتابة للتسلية والمتعة من أجل كسب المزيد من الجماهير, وهنا نعود الى مفترق طرق المعادلة الصعبة موضوع حديثنا ليخرج منها سؤال فني هام: ألا يمكن ان يحقق العمل الدرامي الهدفين معاً، الجدية والفكاهة في نفس الوقت، يمكن للكاتب أو المؤلف ان يعالج الكثير من التناقضات الاجتماعية والمشاكل بطريقة كوميديا الموقف التي تستطيع ان تنهض بعمل جاد وهادف، وهنا يكون الرهان على كيفية معالجة المؤلف لهذا الموضوع ومدى امكاناته وخبراته وقدراته في تحقيق هذين الهدفين في عمل واحد بطريقة عفوية وبسيطة وعالية الفن في نفس الوقت، تلك هي الاسئلة، أليس كذلك؟؟.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.