تلويحة الخيار,. عبدالعزيز مشري |
قلت في التلويحة الماضية إن الغائب عن صلاة الجمعة في القرية، ولسبب استدعاه للسفر في علاج صعب على الإمكانية في حدود القرى إلى مكة والتي تعني في لغتهم كل ماهو مدني ومدنية.
العباءة الوحيدة في القرية، والمستعارة من امرأة إلى امرأة، ولأنها لسبب لايحتاج عندهم لتوضيح,, مسافرة إلى مكة، وعادة للعلاج، وقد يلوح في الذهن بأن السبب الذي يدعو إلى هذه الشحاحة في ندرة العباءات، أنه قلة ذات اليد أو الجيب، غير أن الحقيقة بعيدة عن هذا الافتراض الجاهز,, إذ إن عدم الضرورة في استعمالها القروي، هو السبب الأساسي، أما خارج محيط القرى، وهو ما يعتبر بعيداً مدنياً ومغايراً للعرف والفلاحة,, فإنه يستوجب نوعاً من الشكلية اللباسية.
المرأة القروية والتي تطبعت بظروفها الحياتية في مجتمعها الفلاحي في العادة يكون لبسها بحلة حشمة، ونتيجة لظروف المناخ وطبيعة العمل والتضاريس ، وجدت هذه الحشمة بدءاً من غطاء الرأس المعصوب والعنق والصدر واليدين إلى الرسغ، وانتهاءً بالسروال الطويل المغطى بالثوب الطويل أيضاً، انها تعمل منذ ما قبل طلوع الشمس إلى مابعد العشاء، وعملها كله إنتاجي في الوادي، وتربوي معيشي يومي في البيت.
**
بالطبع,.
فإن العوامل التي تتحول إلى مواضعات تصوغ انماط الحياة، لايمكن فصلها عن طبيعة المناخ وطبيعة التضاريس، وشكل وأداة الإنتاج، والمفهوم العقدي، وإضافات التقليد، أي أن الثقافة المكتسبة لدى القرى مثلاً هي المحصلة الأخيرة مع الحوار الزمني الطويل التي جعلت منه هذا النمط، وبالتالي فمن الصعب جداً نفي المحصلات باعتبارية افتراضية بعيدة عن حقيقة واقعه الطويل والمتجذر في علاقته بالارض والماشية والشجر والانتاج الزراعي، وبالطبع,, وضمن علاقته الاجتماعية الضرورية مع الجماعة التي كونت مستقراً للعيش في القرى ولذلك كان لابد من الحضور الجماعي، الذي تمكن بفعل تراكم الزمن بظروفه ان يخلق نوعاً متآلفاً في العلاقات، إلى حدٍّ جعل له شكل وصفة الضرورة التلقائية البسيطة, وهكذا مع توارث الاجيال، لم يعد ثمة شاسع نفسي تربوي بين الجنسين ولا اهتراء في نسيج العلاقة الطبيعية المفتوحة يسمح بالتلصص، فعيب الفرد يقع على الكل وبالتالي حسابه صعب على اي وجه كان، ومن ثم فإن ساحة المسجد الجماعي حيث يعرض كل ذي شكوى مضرّته داخل هذا المكان المفتوح وفيما يتعلق بحق الكل على شاكلة الضرر الفردي، لن تسمح الساحة الجماعية بأي حال مائل امام الرأي المفتوح للكل,, وهكذا أصبح ثمة نوع من الدستورية الوفية المماثلة إلى حدٍّ التطابق مع القرى الجارة، وإلى حد غير بعيد مع اساسيات الايقاع الفلاحي في المعمورة، مع بعض المفارقات المتعلقة بالعقيدة والعادة، وبطبيعة المناخ والأرض,, بينما تبقى القاعدة المعروفة لوسيلة الإنتاج واحدة، فالسماء لا تمطر حليباً ولاقمحاً!.
|
|
|