الأديب أحمد الضبيب للثقافة أنحاز إلى الشعر لأنه لغة العصور وفنها مازلت معنياً بالتراث,, وحركة إحيائه في المملكة آمل أن تكون الرياض عاصمة الثقافة والكتّاب |
*حوار : عبدالحفيظ الشمري
معالي الدكتور أحمد بن محمد الضبيب أديب تشغل باله هموم الثقافة والادب، ويسهم دائماً في دفع مسيرة الكلمة لدينا، باحث، ولديه مشروع حضاري وثقافي، يعكف على اعداده منذ اعوام يتمثل في حركة احياء التراث في المملكة العربية السعودية اضافة الى دراسات حول بعض الكتب الادبية,, كما انه يشغل الآن منصب عضو في مجلس الشورى.
حول هذه الانشطة واهتمامات اخرى كان للثقافة هذا الحوار مع معالي الدكتور الضبيب والذي جاء على هذا النحو:
* د, أحمد الضبيب قامة أكاديمية وأدبية مديدة، ترى ما الذي يشغل بالكم من هموم الثقافة لدينا؟
هموم الثقافة كثيرة ومتشعبة,, ولعل من اهمها موقفنا من هذا الطوفان الثقافي الوافد في عصر الاحتكاك المباشر مع الثقافات الاخرى بكل ما تحمل من جيد وردىء,, ان العرب يتحدثون كثيراً عن الخصوصية، والمحافظة على الهوية,, والتميز,,وعن مشاركة الآخرين من منطلق الندية، يتحدثون عن رفض التبعية والذوبان في الثقافات الاخرى,,لكنهم قلماً يعملون شيئاً يؤدي الى هذه الاهداف, مازلنا ننظر الى ما يحيط بنا فاغري الافواه، دون ان نقدم على صيانة ثقافتنا وخصوصيتنا، من خلال خطط مبنية على دراسات تفرق بين الاساسي والهامشي، وما يمكن ان يستوعب وما يجب ان يرفض,, دراسات ليست انفعالية آنية، ولكنها عقلانية وسطية منفتحة، تراعي الثوابت الضرورية، وتستشرف المستقبل الواعد ولا تتنكر للمفيد الجديد.
ومن هموم الثقافة الخاصة لدينا,, ان المسؤولية عن هذا الجانب المهم في حياتنا مقطّعة الاشلاء، موزعة بين عدة جهات، بعضها تضطلع به الرئاسة العامة لرعاية الشباب وبعضها تقوم به وزارة المعارف او وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف,, او الحرس الوطني، او وزارة الاعلام,, وكل جهة من هذه الجهات تجتهد ما وسعها الجهد، وتبذل ما تستطيع مشكورة,, ولكن الثقافة ليست اساسية في تكوينها او انشطتها اليومية، وانما هي مضافة اليها والى مشاغلها: تعطيها ما يتبقى عندها من الوقت والمال,, او قل انها تضعها ضمن اهتماماتها الثانوية,, ولقد كان الوضع مقبولا في السابق حين لم يكن التعليم قد انتشر هذا الانتشار، ولم تكن وسائل الاتصال على ما هي عليه الآن من تقدم، ولم تكن التحديات من الضخامة والاتساع والتشابك على ما هي عليه الآن, ان الاعتراف بالجسم الثقافي الموحد ضرورة لابد منها، نواجه بها تحديات العصر, اذ الثقافة ليست واجهة اساسية من واجهات الامم وحسب، وانما هي ايضا السياج الذي يحمي الامة امام التحديات الخارجية، وهي التي تحمل في نفس الوقت رسالتها وحضارتها الى العالم.
* تستقبل الرياض العام ألفين بوصفها عاصمة العرب الثقافية,, ترى كيف نستثمر هذا الحدث داخليا، وخارجيا بما يخدم مسيرتنا الثقافية؟
ان اختيار الرياض عاصمة ثقافية للعرب عام 2000م يلقي علينا عبئا ضخما ويمثل تحديا حضاريا كبيرا, وعلى الرغم من ان بلادنا لها مشاركات ثقافية رائعة بين شقيقاتها العربيات، الا ان معظم هذه الجهود ليست من البروز بالشكل الذي يلاقي القبول المناسب من الآخرين، بل اننا نجد ان كثيرا من اشقائنا العرب يقفون مواقف مبنية على صور نمطية عن المملكة ودول الخليج, فهم يعزون كل شيء الى النفط, ويزعم بعضهم ان هذه الدول ليست سوى مكامن للنفط والمال وانها تشتري كل شيء بما في ذلك الثقافة,, وهذا ليس صحيحا، فالجزيرة العربية كانت ومازالت بيئة ثقافية خصبة,, كانت كذلك عندما لم يكن لديها نفط، وهي كذلك بعد ان افاء الله عليها من خيراته,.
ومن هنا لابد لنا ان ننتهز هذه المناسبة، مناسبة اعلان الرياض عاصمة ثقافية للعرب سنة 2000م وذلك باستثمارها استثمارا ذكيا وجيدا,, يبين ما لدينا من امكانات ثقافية ويسدد ما فيها من نقص، مع دراسة تجربتنا الثقافية خلال الاعوام الماضية، ورصدها وتوثيقها وعرضها على الآخرين، ان الثقافة ليست سلعة استهلاكية يجذب النظر اليها بالاعلانات التسويقية السريعة فمثل هذه الاعانات لا تنطلي على المثقفين، وانما الامر الاجدر بالاحترام لاظهار مشهدنا الثقافي ان يكون عبر الانجازات الثقافية,, التي تلفت النظر وتكسبنا الاحترام والتقدير.
* د, الضبيب,, ألازلت معنيّا بالتراث؟,, وهل لنا ان نتعرف على بعض همومك الأدبية والمعرفية؟
التراث يعيش معي يوميا تقريبا، وقليلة هي الايام التي تمر عليّ دون ان انظر في كتاب من كتبه، او اتأمل نصا من نصوصه، او اكتب عن موضوع من موضوعاته، او اتحدث الى بعض الزملاء والمثقفين عن قضية من قضاياه,, وعندي انني متابع لكثير مما ينشر عنه، او يحقق من كتبه التي تهمني,, ولديّ دراسات جاهزة حول بعض هذه الكتب,, وانا مشغول هذه الايام بمشروعي الكبير الذي بدأته قبل اكثر من خمس وعشرين سنة، وهو يتناول حركة احياء التراث في المملكة العربية السعودية,, ويمكن ان يعد تاريخا علميا لهذه الحركة، ورصدا لمسيرتها الطويلة وتسجيلا، لأهم معالمها وتقويما لنتاجها الوفير، وذلك من خلال دراسة متأنية تحاول ان تجمع اطراف الموضوع على الرغم من اتساعه وتعدد مناحيه ووفرة مادته.
* مؤسساتنا الثقافة الأدبية لا تزال فيما يبدو تنتظر دور المثقف والمبدع,, ويظل المثقف على هامش الانتظار لدورها الحقيقي,, ترى كيف نفعّل هذه الأدوار ونقوّي العلاقات بينهما؟
ليس على المبدع او المثقف ان يجري وراء المؤسسات الثقافية والادبية,, او ان يتسول مساعدتها,, فالمثقف والمبدع عليهما ان ينصرفا الى عملهما الاساسي، لا الى ملاحقة الاجهزة البيروقراطية,, عندما يتحول المثقف الى معقب معاملات في كواليس المؤسسات الثقافية البيروقراطية تخسر الثقافة كثيراً,, ويكون على الأدب السلام.
المفروض ان يكون لهذه المؤسسات برامج مدروسة فعالة,, ذات طابع حضاري راق يقتنع بها المثقفون,, ويدعون اليها للمشاركة,, وعندما يقتنعون بذلك لن يتوانوا في تعضيد مشاريع تلك المؤسسات,, وبذلك نردم الفجوة بين المثقف والمؤسسة الثقافية ونقوّي العلاقات بينهما.
* معالي الدكتور,, أي لون إبداعي تتذوقه,, وأي هذه الألوان من وجهة نظرك أقرب إلى النضج والاكتمال؟
انا منحاز الى الشعر,, واعتقد انه الابداع العربي الاصيل الذي امتد في ثقافتنا منذ الجاهلية الى هذا العصر,, الشعر فن العصور جميعاً,, وهو ذو اثر كبير في وجدان الانسان العربي ولا يمكن ان يقارن به فن آخر,, وهو في نظري أجدر الالوان الابداعية بالنضج والاكتمال,, وانا اتكلم عن الشعر على ألسنة الشعراء المبدعين المتميزين في جميع عصورنا الادبية,, لا شعر الانحدار والانحطاط والغثاثة.
* هل تتابعون الطرح الثقافي من خلال الصحف؟ وهل هناك بعض المآخذ على ما تطرحه صفحاتها من آداب وأفكار وإبداعات؟
اطالع كثيراً مما تنشره الصفحات الثقافية,, واجد ان كثيراً مما ينشر لا يستحق المتابعة او التعليق, وبعضه يشبه المعلبات الغذائية التي فسد طعمها،,, وبعضه يشبه الثمار الفجة التي لم يكتمل نضجها,, وكلا النوعين عسر الهضم، قليل الفائدة ان لم يكن منعدمها,, وقلما اجد اعمالاً لها من العمق والاصالة ما يؤسس لإضافات جديدة في حياتنا الثقافية,, كما ان نقد الآثار الادبية والفكرية لدينا يغط في سبات عميق.
|
|
|