الشعر نهار جديد عبدالله سعد اللحيدان |
في المشهد الثقافي العربي، ومنذ عقود، منافسة بين الشعر والرواية، ولأني انحاز الى الشعر وهذا من حقي، طالما ان استعمال هذا الحق لن يصل الى محاولة اقصاء او الغاء او تهميش الآخر، وطالما ان الحديث عن نوع ادبي بنوع من الايجابية لايتطلب الحديث سلباً عن اي نوع آخر، ولا يعني الدفاع او المرافعة فالشعر ليس متهماً، وان كان الاتهام يطال الشعراء فانني سأبدأ الحديث عن نوع ادبي احبه وامارسه، حياة وكتابة، واقيم فيه ومعه ومن خلاله جدلاًمع نوع او اكثر من الانواع الادبية الاخرى.
الشعر الجديد كتابة، ولان هناك ثقافتين اخريين هما المشافهة و البصرية فان بقية الفنون والانواع الادبية تقترب من ثقافة الكتابة بقدر اقترابها من الشعر الجديد.
الثقافة الشفوية ذهنية قواعدية، والثقافة البصرية هي ثقافة الحواس ما بعد الحداثية، وثقافة الكتابة ذهنية وحسية في آن، عدا عن كونها لا تتقيد بقواعد وذهنية المشافهة ولا تنغلق على حسية البصر والحواس الاخرى، وان بنسبة اقل فهي، اي ثقافة الكتابة انسانية شاملة، والشعر الجديد مثال عليها ونموذج حديث وراق ومتجدد لها لا يتقيد بما قبل ولا بما بعد,, فهو من اي مكان وزمان ولكل مكان وزمان، عدا عن ان ثقافة الكتابة اكثر الثقافات رسوخاً وتأثيراً، واكثر جدلية مع الذات الانسانية وتأملاً لها ولوجودها، ففي الثقافتين الاخريين، واحداهما تعتمد على الذاكرة، والاخرى على جزء من الذاكرة، سرعان ما يُنسى الاثر ويزول التأثير، فالانسان سيبقى بحاجة الى مخيلة المبدع الكاتب الذي يخاطب في الانسان انسانيته في فضاءات عولمة لن تخلو من خيبات امل كبرى، وستبقى الثقافة البصرية واي ثقافة مستقبلية اخرى بحاجة الى المبدع الكاتب ، بل لن تقوم اي ثقافة مستقبلية الا على الصوت الانساني الاكثر نقاءً وقدرة على محاورة العقل الانساني وتأمل جزئيات وجوده ومفردات حياته وصورها، من حيث امتزاج الآلية والانتاج لدى الكاتب المبدع وبخاصة الشاعر بالمنجز الفني النهائي والذي تتمظهر فيه، في وحدة كاملة، المعرفة والخيال والحدس، في صورة لا يمكن لاي ثقافة او فن او نوع ادبي آخر ان يتمثلها ويعكسها بنفس القوة والعمق.
الشعر، افضل واصدق ممثل لثقافة العصر الانسانية ، ثقافة العصر أي عصر كان الشاملة، لا ثقافة الطبيعة وحدها، ولا ثقافة الريف، ولا ثقافة المدينة، ولا ثقافة الحضارات المتقدمة ولا المتخلفة، بل الثقافة المعنية بالانسان لا بالطبيعة وحدها او المدنية وحدها، دون انحياز لامة او مجتمع او فرد، ودون ان يضع اي اعتبار خارج الشعر لاي ظرف,, كما تفعل ذلك بعض الفنون والانواع الادبية الاخرى، حيث ينبثق، وكما انبثق دائماً، من اي مكان وزمان ولكل مكان وزمان، في الصحراء والبحار والمدن، في المجتمعات المتقدمة والمتخلفة والبدائية على السواء، ينبثق ويتطور,, وبشروطه الخاصة وضمن آلياته الخاصة، بينما تنبثق وتتطور بقية الفنون والانواع الادبية مشروطة بشروط زمانية ومكانية كثيرة.
الشعر، الذي يذهل ويبهر العالم كل يوم برهانه الجديد، الذي لا يخسر وان خسر الشعراء، وهو يقود الفنون ويومىء لبقية الانواع الادبية، وللنظريات والمناهج النقدية ايضاً، وهي جميعاً تعدو معه، لتكتشف ، به ومعه، وكل يوم وفي كل مكان، ابعاداً انسانية حافلة بالجمال وجديرة بالتأمل والاستشراف، وهو في الطليعة، سابحاً على سرج المخيلة والدهشة والابتكار، يطير بحصان الاسئلة العذراء، وهو يحتفى بالانسانية وهواجسه اليومية وفاتحاً له ابواب الاحلام الواسعة بمستقبل اكثر اشراقاً.
الشعر، ضمير الامة، الذي لا يمكن لاحد ان يتجاوزه اذا اراد معرفة ثقافتها وتكوينها، وفي اي عصر من العصور, هل تراني وبعد ان استدرجني حبي للشعر، الى هذه الخطبة/ المرافعة أسأت او قللت من اهمية بقية الفنون والانواع الادبية الاخرى؟
وهل انطوى ما قلت على شىء من المبالغة؟
لا ادري، بل لا احب ذلك ولا اتمناه ولا اقصد اليه، وان كنت على يقين تام الآن ان فيما قلته شيئاً كثيراً مما يدور في بال كل كاتب مبدع .
|
|
|