كتاب هزائم المنتصرين الرجل في القناع الحديدي أو الأسطورة التي تقاتل عن فرسانها إبراهيم نصر الله |
شكَّل فيلم روميو وجولييت للمخرج الاسترالي باز لوهرمان والذي اطلقه كقنبلة سينمائية بالغة الجرأة والقوة قبل عامين تقريبا، مقدما فيه رؤية معاصرة فنتازية لرائعة شكسبير، شكَّل هذا الفيلم الانطلاقة الكبيرة الاولى لميلاد نجم سينمائي هو ليوناردو دي كابريو، الذي تحول فيما بعد الى اسطورة شعبية لدى ملايين من جمهور السينما العريض، في واقع سينمائي هوليوودي توج العنف بطلا بشكل شبه متواصل طوال عقدين من الزمان او يزيد، حيث تقاسم الزمان السينمائي على المستوى الشعبي العريض نجوم مثل سلفستر ستالوني وآرنولد شوارزينغر لفترة طويلة قبل ان يعبر سباق العنف نجوم جدد مثل بروس ويلس وصولا الى هاريسون فورد الذي فاق الجميع صلابة وهو يؤدي دوره في طائرة القوة الاولى !!,ومثلما جاء فيلم قصة حب في السبعينيات ليشكّل حبل نجاة لجمهور سينمائي ارهقه الملل، جاء فيلم روميو وجولييت ليفتتح الطريق لفيلم اضخم واكثر سطوة على الصعيد الاعلامي، الا وهو فيلم تايتنك للمخرج جيمس كاميرون, وما كان يمكن لاي نجم ان يؤدي هذا الدور الرومانسي في مأساة تايتنك، سوى ذلك الذي ادى دورا مشابها في مأساة شكسبير.
وكما لو ان العالم كان ينتظر هذا الدور، كما في انتظار جودو اضحىدي كابريو، ذلك النجم الذي كان لابد منه، ومن المفارقات التي تدعو للتأمل، ان الممثلتين اللتين شاركتاه فيلمي لوهرمان وكاميرون لم تستطيعا الفوز بنجاح يمكن ان يقارن ولو من بعيد بالنجاح الذي حققه دي كابريو، كما لو ان النجم المنتظر لا يمكن ان يكون الا رجلا!
ولم يكن ظهور دي كابريو سهلا، امام عدد من النجوم الذين راحوا يكتسحون العالم بأدوار قوية، وبوسامة غير عادية ايضا، امثال براد بيت وجوني ديب، خاصة وانهما استطاعا ان يقدما ادوارا كبيرة تتجاوز سطح الوسامة بمفهومها التقليدي.
ولاشك، ان ظاهرة دي كابريو، يمكن ان تكون موضوع دراسة وبحث علماء الاجتماع، اكثر مما هي مجال اولئك الذين يكتبون نقدا سينمائيا، او تحليلات مقتضبة للافلام.
لقد تحول تايتنك الى علامة بارزة بقوة اقبال الجمهور التي سجلها مقياس شباك التذاكر، وتحول دي كابريو ليكون نجما اول لهذا الشباك, ومن المعروف ان العاملين في السينما لا يدخرون جهدا للوصول الى قلب الجمهور الموزع على سطح هذه الارض، خاصة وان هذا القلب متصل اتصالا مباشرا بجيب ذلك الجمهور.
هكذا يجيء فيلم الرجل في القناع الحديدي من بطولة دي كابريو ليتيح المجال للجمهور بأن يتخم بنجمه اكثر، وان كان هذا الفيلم يأتي شبه مواكب للزمن الذي يعرض فيه تايتنك او في الفترة التي بدأت فيها حمى تايتنك بالتراجع ولو قليلا.
واذا كان بامكان الجمهور ان يشاهد دي كابريو على الشاشة بتذكرة واحدة مقابل كل مشاهدة للفيلمين المذكورين، فان الرجل في القناع الحديدي يمنح الجمهور العاشق لنجمه فرصة مشاهدة 2 دي كابريو بتذكرة واحدة!! حيث يلعب في هذا الدور دورين لا يقل اي منهما حضورا عن الآخر: دور لويس الثالث عشر المتسلط المنساق خلف نزواته واسير كبريائه، ودور شقيق هو توأمه جرى اخفاؤه دون معرفة الام التي بقيت تعتقد انها لم تلد سوى صبي واحد.
عن رواية لاكسندر دوماس، يكتب راندل والاس ويخرج هذا الفيلم، هو الذي كتب سيناريو فيلم قلب شجاع ، ذاك الذي حقق نجاحا باهرا على صعيد الفوز بجوائز الاوسكار، ورفع رصيد نجمه ومخرجه ميل جبسون الى الاعالي.
يجيء راندل والاس ليلعب دور المخرج في اول تجربة له خلف الكاميرا، ويحشد لفيلمه عددا من ابرز نجوم الشاشة، الذين يحظون باحترام كبير كفنانين مرموقين: جيرالد ديباريو، جون مالكوفيتش، جيريمي آيرونز، جابرئيل بيرن، وبين هذه الثلة من النجوم يضع دي كابريو شمسا تدور حولها الاحداث، وتدور بقية الشخوص، لكن دي كابريو، وهو يدرك اهمية الواقفين امامه، يسعى لتقديم اداء كبير ومقنع، خاصة وهو يتنقل بين الدورين، مجسدا الوجه القبيح لمن بيده المقاليد والوجه الطيب والقلب الطيب لمن امضى حياته في السجن بعيدا عن الشمس خلف قناع حديدي، كي لا يعرفه احد، او يعرف ذاته، هو الشبيه بملك فرنسا في ذلك العصر، او احد لويساتها !!
ولعل المؤسي في الفيلم، الذي يوازي مأساة الشقيق السجين، بل يفوقها دلالة، اولئك الفرسان الذين تقاعدوا وانتهى زمنهم، وانزوى كل منهم في جحر لا يتصل بجحر سواه، لكن احدهم استطاع ان يكون قائد الحرس الخاص للويس نفسه، وبالتالي فان شرارة الصراع التي تندلع بينه وبين رفاق السلاح القدماء، نتيجة اعجاب لويس بخطيبة ابن آتوس مالكوفيتش، وقيام لويس بارسال الفتى الى الحرب للتخلص منه، مما يؤدي فيما بعد الى مقتله، كل ذلك يرفع من وتيرة الصراع، ويؤججه، فرئيس الحرس المرتبط بشرف شعار رفاقه الواحد للكل والكل للواحد .
رجال انتهى زمانهم، يعودون للقتال من جديد انتقاما لمقتل ابن صديقهم، لكنهم وهم يحتلون شاشة الصراع، يبدون متعبين، فلا ايديهم التي تقبض على السيوف هي الايدي الماضية، ولا اجسادهم التي تتأرجح وهم يتقافزون معلقين بالثريات الى الادراج هي الاجساد الماضية, كل شيء يخذلهم، ولذا فان حركتهم ومعاركهم التي يخوضون، تفتقر الى المهارة اللازمة لمثل هذه الافلام، فيبدو الامر هنا للمشاهد كما لو ان الواجب يقتضي ان يتعاطف معهم ويراهم بعينيه اللتين تعودتا ان تريا اولئك الذين يقاتلون من اجل قضية عادلة دائما ابطالا, ويكفي تأمل حالة بورتس دي باريو الممثل الفرنسي اللامع، لنرى الى اي درجة انقلب الزمان على فرسانه، حيث لا يستطيع ان يحقق نصرا واحدا ولو في الحب وحوله من حوله!!، ولعل دي باريو هنا هو الشخصية الاكثر مأساوية، التي ما انفكت تتحدث عن رغبتها في الانتحار، وهي تسخر من قوتها التي لا تستطيع ان تحقق نصرا مادياً واحدا, وهكذا حين يدخل احدى الحظائر ويجد الحبل جاهزا في السقف، يصعد، ويضع رقبته فيه، ومن النافذة يراقبه اصدقاؤه واحدهم يهمس للآخر: ها قد قرر اخيرا ان يفعلها!!
لا يموت دي باريو، لانهم كانوا قد قصوا الخشبة التي تسند السقف، الى ذلك الحد الذي لا يمكن معه ان تتحمل ثقل جسده، فتتضاعف جرعة المأساة في ثوب الكاريكاتير.
لكن راندل والاس وهو يقدم فرسانا على هذه الدرجة من الهشاشة، يعمد الى شيئين لتبديد هذه الهشاشة في عين المشاهد: الاول تقني، حيث يعمد الى التصوير البطيء كلما جد الجد واحتدم الصراع، والثاني معنوي، حيث يدفع بالاسطورة القديمة لهؤلاء الفرسان لكي تقاتل نيابة عنهم، عبر ذلك الرعب الذي يزرعه في عيون حراس لويس في المواجهة الاخيرة الحاسمة, ودائما تنجح الخدعة، لان البشر لا يحبون رؤية ابطالهم المنتصرين في المخيلة او في الواقع مهزومين.
لكن، وعبر هذه الاجواء تنشأ علاقات حميمة، ف آتوس مالكوفيتش، الذي فقد وحيده، تنشأ بينه وبين الشقيق المسجون، بعد ان يحرروه علاقة ابوية عميقة ومؤثرة، كما لو ان الذي امامه البديل عن ابنه، كما ان علاقة كبير الحرس العاطفية تبدو شيئا قاهرا، حيث عليه ان يخفي عواطفه، وتخفي بدورها عواطفها لازمنة طويلة, لذا يبدو والاس بأنه يكتفي بتقديم الدواخل النفسية الحارة عبر ميلودراما الفيلم، كما لو انها الغاية الاساس التي يسعى لتقديمها، على امل الوصول الى المشاعر العميقة اللاواعية تحت الجلد القاسي لفرسان اكلت اعمارهم السنوات، وهذا ما يسجل له.
لكن المحصلة النهائية للفيلم، ان كل من حول دي كابريو ب شقيه ، كانوا الادوات التي تزيد تألقه، رغم انهم من خيرة الممثلين, فالزمان الحالي هو زمنه، ولا احد يستطيع الوقوف امام رغبة جمهور يحب ان يرى نجمه المفضل لاطول مدة ممكنة على الشاشة, صور راندل والاس فيلمه في قصر من القرن السابع عشر, يقول الممثل جيريمي آيرونز عن تجربته في الفيلم: لقد كانت تجربة رائعة، لهونا وتصرفنا خلالها كالاطفال,ويمكن القول ان فيلم الرجل في القناع الحديدي هو فيلم لجميع اصناف المشاهدين، لكنه ليس لاي نوع منهم بشكل خاص، هنا تكمن اهميته كفيلم للعائلة، لكنه في النهاية ليس الفيلم المفضل لاي فرد منها لامد طويل.
|
|
|