بدايات أحوال الصبط والعرفج محمد عبدالرزاق القشعمي |
كان الفتى مع لداته يتحلقون حول جدتهم مساء كل يوم بين العشاءين قبل ان يدركهم النوم وكانت هي على مصلاها وهو عبارة عن مفرش صغير من سعف النخل، منحنية الظهر يقارب سنها السبعين عاماً، وكانت تربط مسواكاً قطعة عود من الاراك اهداه اياها قبل سنتين احد ابنائها عند قدومه من الحج، تربطه بطرف غطاء رأسها الغدفة وتسوك به ما بقي من اسنانها بين وقت وآخر, ،عندما رأتهم يطالبونها بشىء مما يؤكل وهو صعب المنال ارادت ان تسولف عليهم سبحانة السحارات او شيئاً من الحكايات التي تجلب لهم النوم حتى يحين موعد صلاة العشاء الاخير فتصليه مع ما يتبعه من النافلة لتنام سويعات قليلة ثم تقوم لصلاة التهجد القيام قبيل صلاة الفجر.
في احدى الليالي الطويلة رأت انهم قد كبروا قليلاً وانهم ينتظرون قصصها وحكاياتها المسلية، التفتت اليهم وقالت الليلة سوف احكي لكم اسولف لكم سولافة حكاية حقيقية حصلت لوالدها عبدالله عند ذهابه للبحث عن علف لتأكله الحيوانات التي تخدم بالمزرعة كالبعارين والبقر والغنم والذي يحضر مما تنبته الارض ولا يتوافر في كل وقت او في اي مكان، فلابد من معرفة مكانه قبل استئجار من يذهب لاجتثاثه او حصده واحضاره الى مزرعته.
تقول جدته ان والدها ع,ب قبل اكثر من قرن وربع قرن من الآن، ذهب للبحث عما يمكن جلبه كغذاء للماشية ف تزهّب اخذ معه بعض التمرات ب محثلة وقليلاً من الماء ب عكة وذهب الى منطقة شرقي جزرة شمال شرق الزلفي وبها يلتقي جبل طويق ونفود الثويرات على بعد حوالي 15 كم من بلدته العقدة ، وكان يهدف من ذهابه الى البحث عن مكان الحشيش العرفج وغيره ليتمكن من معرفة مكانه، تمهيداً لبعث من يحشه ، ويحضره لمواشيه لقاء اجر معين, وما كاد يصل الى هناك ويجد العرفج و الصبط المغري الا وتقافز مجموعة من قطاع الطرق الحنشل من بين الشجيرات وكانوا يسبرونه وينتظرون وصوله على أحر من الجمر، وما ان امسكوا به الا وسقطت التمرات التي معه وتقاسموها بينهم بنهم شديد، وخلعوا عنه ثوبه وعلقوا قرب الماء على كتفيه وبدأوا يضربونه بالعصي ليسير امامهم من الصباح الباكر الى قرب العشاء، وكان يعرف المنطقة اكثر منهم، فيقول انهم توقفوا ب نقرة 1 بالقرب من بلدة الثوير بنفود الثويرات، شرق عقلة المنسف وربطوه وتركوه لدى احدهم وذهبوا لجمع الحطب بالقمرا تمهيداً لشويه واكله، وابقوا لديه احدهم لحراسته وحفر زبية حفرة سيتم اشعال النار بها والقاؤه بها حتى ينضج لحمه، وكانوا يسألونه هل لحم الآدمي احسن ام لحم الحمار؟ فقد كان عشاؤهم بالامس حماراً, بعد ذهابهم لجمع الحطب تكلم معه حارسه، هل لك اولاد؟ قال له نعم، فرد عليه هل تستطيع الجري لو فككت وثاقك؟ قال ربي سيعينني، ثم اردف لو فككتني ونجوت من هذه المحنة فسوف اغنيك ان الله اغناك، فقال له حارسه البدوي الحنشولي سوف ارخي لك الحبل الذي ربطت به وسوف اذهب لاحضر شيئاً لاحفر به الحفرة فاذا رأتيني بعيداً فاهرب وسوف اناديهم ليلحقوا بك ولو لم افعل هكذا فسوف يأكلونني بدلاً منك، لاتهامي بالتواطؤ معك، فطلب منه شربة ماء ليبل ريقه، اذ انه لم يذقه منذ الصباح الباكر، فكلما طلب منهم رشفة مما يحمله لهم من ماء على كتفيه يرفضون بدعوى ان لحمه يخرب اذا شرب الماء, علل رفضه بأنه لو شرب سوف لا يستطيع الجري، المهم اطلق ساقيه للريح كما يقال وعندما وصل الى رأس الكثيب من الرمل الطعس صوت لهم حارسه بأن الحضري انحاش هرب ، واخذ يصرخ ويلطم وجهه ويركض نحوه مثلهم، على ضوء القمر.
تقول جدته: بأن الهواء كان بمواجهته فكان كلما اعتلى رأس كثيب عرقوب او طعس من الرمل اخذ يملأ كفيه من الرمال يقذف به عليهم ليعمي عيونهم مع اندفاع الهواء ناحيتهم، بعد حوالي الساعتين سمعوا صوت السانية وحنين المحالة واصوات مجموعة يغنون اثناء حصادهم الزرع في احدى العقل قرى الزلفي الشمالية وهي المنسف فبدأوا بالتراجع، ما عدا من يبحث عن سلامته، والذي وصل فيهما يذكر في الهزيع الاخير من الليل و احد الفلاحين يغبش يسني ليسقي نخله قبيل صلاة الفجر، رفع والدها صوته منادياً بهلع شديد يا عبدالله انقذني، وكانت آخر كلمة يتذكرها واذا به يسقط مغشياً عليه، ركض له احدهم يبحث عنه على ضوء القمر، وعندما عثر عليه وجده بين الحياة والموت، ذهب يبحث عما يستر عورته وتمرة يمرسها لينقطها بحلقه، عل الحياة تعود اليه, لم يجد ما يبحث عنه لشحها ولكنه وجد رب عكاك وهو ما علق ب العكة من بقايا السمن او العسل حمله الى داخل منزله، والبسه ثوباً اذ انه كان عارياً كما ولدته امه, بعد يومين بدأ يعود الى الحياة تدريجياً، فأخذه على حمار الى العقدة حيث اولاده واخوته يبحثون عنه.
كان لوالدها عباد بستان به انواع شتى من النخل، وفي كل موسم صرام للتمر يأتي البدوي الحنشولي السابق الذي اطلق سراحه بجملين ويحملهما له بأفضل انواع التمور وغيرها من القمح او ما يتوافر من قرع وغيره, حاول ابناؤه طرده، ولكن والدهم اقسم عليهم بأنه طالما مازال على قيد الحياة فله الحرية المطلقة بأخذ ما شاء، فلا يعدل الروح شيء .
ولهذا اصبح الآن عندما يريد احد من اهالي الثويرات ان يدعو على عدوه ان يقول له يمال بريزة 2 عباد .
1 منخفض بالنفود تحيط به الكثبان من جميع جهاته، مازال يعرف باسم نقرة عباد.
2 الحفرة المليئة بالحطب الملتهب.
|
|
|